كيف تبحث عن إرهابي في الرياض؟ (1ـ 2)

TT

السياسة لم تتغير كثيرا لكن المجتمعات هي التي تبدلت. فمن الهين ان تخطف او تقتل ثم تختبئ في أي مدينة مليونية، كالرياض من خمسة ملايين نسمة، وكما تفعل خلايا «القاعدة». فهي مدينة لا أعرف لها مثيلا في تمدد مساحاتها وتناثر احيائها معظمه مخطط، وكثير منه تمدد عشوائي. ففي العاصمة حرية عمران غير مألوفة، وغير مربوطة بخدمات او طرق جعلتها ضخمة في محيطها ومليئة بالفراغات البيضاء في داخلها. في هذا التيه الجغرافي كيف يمكن ان تعثر على مجرم فار او رهينة محبوس في واحدة من الفيلل المليون، انها أصعب من إبرة في كومة قش؟

من المؤكد ان الارهاب لم يخطر على بال أحد من المهندسين من قبل، اما إجرام المدن فمحسوبة قواعده، وغالبا بطولاته متروكة لمكتب التحريات وخبراء الأدلة الجنائية. لكن الارهاب موضوعه مختلف، فانت تطارد اشباحا، يتنقلون بهويات مزورة، وبسيارات مسروقة، وبشرائح هواتف غير معنونة، ويستخدمون مواقع إلكترونية مضللة، ويعيشون في خلايا بلا اصدقاء، ويسيرون في الشوارع بمعالم وجوه متغيرة دائما حليقين او ملتحين، بثياب محلية، او سراويل باكستانية، او بدل غربية.

أيضا، انظروا الى المشهد المقلوب رأسا على عقب تماما. فالمجتمع المحافظ الطارد بطبعه وشكله لكل ما هو غريب أصبح الملجأ المثالي للارهابيين المندسين. صاروا لا يتورعون عن التنقل بضحاياهم او اسلحتهم متسترين في عباءات الحريم، لانها الغطاء الكامل والمستبعد عقليا، كالمهرجين الذين يلجأون لملابس النساء وباروكات الشعر وأحمر الشفاه في أفلام الكوميديا. بعض الانظمة صممت لمراعاة خصوصية الناس وتحولت الآن الى عقبة أمنية مما اضطر السلطات الى تسجيل النساء في بطاقات مصورة، كالرجال، حتى لا يصبح الستر وسيلة للتستر وتزوير الشخصيات. وسبقتها السفارات بعد احداث سبتمبر الشهيرة، حيث لم تعد متساهلة في لي القوانين من اجل كسب السياح، فألزمت النساء بالتصوير ايضا، والرجال بصور حاسرة الرأس، مذكرة الجميع بأن الهويات غرضها الأول التعريف بصاحبها لا تكريم زيه الوطني.

في المجتمع المحافظ، يفضل المرء تضليل سيارته هربا من الشمس الحارقة والعيون المتلصصة، ويفضل بناء جدران عالية حتى لا يدري احد شكل من وراءها. الآن كيف يمكن الاستمرار في التستر عندما تصبح هي أيضا البيئة الصالحة للفارين والارهابيين؟

الشفافية مؤكد انها عدوة المحافظة، وتحديدا في مسألة بالغة الحساسية دائما أي تسجيل المعلومات الخاصة، لكنها صارت قدرا لا خلاص منه مع نذير الأحداث السيئة. وحتى بدون وقوع الغزوات الإرهابية، فتمدد السجل السكاني وتضخم المدن، وتعقد قضاياها هتكت الخصوصية. لم يعد هناك مفر من حياة مكشوفة، مثل حوض مياه السمك، يمكن من خلالها درء الكوارث الكبيرة وتوفير الخدمات العامة، لا الأمنية فقط.