صناديق انتخابية مفتوحة على العنف وعدم الاستقرار

TT

ربما يكون إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة في افغانستان، من مصلحة الرئيس الاميركي جورج بوش في حربه ضد الارهاب، وعاملا مساعدا على إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إلا ان هذه الانتخابات ليست هي ما يحتاجه الافغان في الوقت الراهن.

فقد اسفر تزايد اعمال العنف في افغانستان، وضغوط الولايات المتحدة لإجراء الانتخابات في سبتمبر (ايلول) المقبل، عن اعاقة عمليات إعادة الإعمار والعمل في مشاريع العون الانساني في الكثير من المحافظات الواقعة الى الجنوب والشرق من العاصمة كابل.

تصاعد أعمال العنف مكن عناصر حركة طالبان من إعادة تعزيز سيطرتها على محافظات مثل زابل، حيث شن الفان من افراد مشاة البحرية الاميركية (المارينز) هجوما لإخراج الاصوليين.

وقد اثبتت حركة طالبان وتنظيم «القاعدة»، اللذان توعدا بعرقلة الانتخابات وإنهاء الوجود الغربي في افغانستان، قدرتهما على شن خمس هجمات في اليوم، ليس فقط في مناطق البشتون التي تعتبر معاقل لحركة طالبان في جنوب شرقي افغانستان، بل حتى في كابل والشمال الغربي.

هذا التدهور الأمني جعل الكثير من الافغان والدبلوماسيين الاوروبيين ومسؤولي الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، ينظرون الى إجراء الانتخابات الافغانية كهدف سياسي للبيت الابيض. وهناك مخاوف اخرى عدا الأمن، ويبدو الأمر واضحا في ما قاله الممثل الخاص للامم المتحدة أمام مجلس الأمن وسفراء حلف شمال الاطلسي (الناتو) اواخر الشهر الماضي: «سواء كان الأمر متعلقا بمكافحة الارهاب او توفير الأمن خلال الانتخابات، او مكافحة تهريب المخدرات، او السيطرة على النزاعات بين الفصائل الافغانية، فإن المساعدات الأمنية الدولية تظل عاملا حاسما في وضع الفواصل بين النجاح والفشل».

يجمع المراقبون على ان الرئيس الافغاني الحالي، حميد كرزاي، لن يواجه صعوبة في الفوز بفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، في الانتخابات الافغانية المرتقبة، التي تعتبر الاولى منذ 40 عاما. كما ان الجهات المسؤولة، سجلت ما يزيد على 12 حزبا من المقرر ان تتنافس في الانتخابات المرتقبة، فضلا عن ثمانية مرشحين، بينهم امرأة، اعلنوا انهم سينافسون الرئيس الحالي.

وقد قامت الامم المتحدة بتسجيل 3.4 مليون ناخب افغاني من بين 10.5 مليون شخص يحق لهم التصويت، بيد ان انعدام الأمن في جنوب البلاد لا يساعد فرق تسجيل الناخبين، التابعة للامم المتحدة، على العمل هناك. وقد بلغ عدد مراكز التسجيل في مختلف مناطق افغانستان حتى الآن، 900 مركز، ومن المقرر إقامة 4600 مركز آخر قبل سبتمبر المقبل.

وتتجاوز المشاكل الجانب الأمني الى الموارد المالية الشحيحة التي باتت تشكل عقبة اخرى. فقد ناشد مكتب الامم المتحدة في كابل، الاسبوع الماضي، الدول المانحة توفير مبلغ 100 مليون دولار لتغطية مصروفات الانتخابات الافغانية المرتقبة. وتلقى مكتب الامم المتحدة وعودا بتسلم 70 مليون دولار، إلا ان الجهات المتبرعة لم تودع أي مبلغ، حتى الآن، في الحساب المصرفي الخاص بدعم الانتخابات الافغانية، وفقا لتأكيدات المتحدث باسم الامم المتحدة، مانويل دي آلميدا دي سيلفا.

ولا تزال الجهود محدودة لحل مشكلة تهريب المخدرات. ويرفض البنتاغون استخدام القوات الاميركية لاعتراض شحنات المخدرات او مساعدة الحكومة الافغانية في شن حملات للقضاء على زراعة نبتة الافيون. ومن المتوقع ان يترك هذا كله تأثيرات كبيرة على الانتخابات، بسبب ما يتمتع به بعض مهربي المخدرات من نفوذ، وبينهم عدد من كبار الوزراء الافغان وزعماء الحرب القبليين وقادة وحكام المحافظات.

ما يمكن قوله هنا، هو ان الدول الغربية فشلت في الالتزام بتعهداتها بتوفير عدد كاف من قوات حفظ السلام. فالقوات الاميركية في افغانستان لا تعمل في مجال حفظ السلام، كما ان حلف الناتو، الذي تولى قيادة «قوة الأمن الدولي المساعدة»، لم ينشر بعد القوات والمعدات التي وعد بنشرها بغرض مساعدة هذه القوة على بسط الأمن في افغانستان قبل إجراء الانتخابات. وظل قادة الناتو يواجهون منذ اغسطس (آب) الماضي صعوبة في توفير قوات خاصة ومروحيات وطائرات في العاصمة كابل.

من الواضح ايضا، ان حلف الناتو لن يفي بوعده بإقامة خمس فرق لإعادة البناء شمال وغرب افغانستان في 28 يونيو، عندما يجتمع مسؤولو الحلف في اسطنبول. وكان الحلف رفض، في وقت سابق، طلبا من الامم المتحدة بتوفير قوات قوامها 5000 فرد، لبسط الأمن خلال فترتي ما قبل الانتخابات وما بعدها.

وقد ابلغني سفير غربي في اسلام اباد، بأن الاوروبيين ينتظرون ما ستسفر عنه نتيجة انتخابات الرئاسة الاميركية في نوفمبر المقبل، لتحديد مصير بوش، قبل الالتزام مجددا بالمساعدة في إعادة بناء افغانستان. ويعتقد السفير ان ثمة شعورا داخليا لدى الكثير من العواصم الاوروبية، بأن المسؤولين فيها لا يريدون ان يكونوا مدفوعين بما يعتبرونه اجندة اميركية اكثر منها دولية في افغانستان. ويعرب الدبلوماسي الغربي هذا، عن اسفه لإلقاء الخلافات الاميركية ـ الاوروبية حول العراق بظلالها على عملية تأمين الاستقرار في افغانستان.

وفي الوقت نفسه، تدل المؤشرات الحالية على فشل خطة مشتركة بين الامم المتحدة واليابان والحكومة الافغانية، تكلفتها 300 مليون دولار، لنزع سلاح الميليشيات المحلية التي يسيطر عليها زعماء الحرب القبليون قبل إجراء الانتخابات، اذ ان عدد من جرى نزع سلاحهم لم يتجاوز 8200 شخصا منذ شهر مايو (أيار) الماضي، علماً بأن الموعد النهائي، الذي حددته الامم المتحدة لنزع سلاح الافراد، هو نهاية يوليو (تموز) المقبل. وقد رفض بعض الزعماء المحليين المتنفذين تسريح ميليشياتهم، واكتفوا بتقليص حجمها. ويحاول هؤلاء القادة التوصل الى اتفاق مع الرئيس كرزاي يمتنعون بموجبه عن تقديم مرشح مجمع عليه في انتخابات الرئاسة المقبلة ضد كرزاي، لقاء تخليه عن مطالب حل الميليشيات بكاملها، بالإضافة الى منحهم نصيبا من السلطة بعد الانتخابات. هذا الاتفاق شبيه بما توصل اليه مبعوثون اميركيون مع كرزاي وزعماء الحرب المحليين في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، لدى انعقاد اللويا جيرغا للمصادقة على دستور البلاد. وابلغ مسؤولون اميركيون الامم المتحدة وكرزاي، بصورة غير رسمية، ان تسريح الميليشيات الافغانية ونزع سلاحها، يجب ألا يعني اكثر من تقليص حجمها، مما يشير الى ان الولايات المتحدة لا تريد في الاساس ان تخسر زعماء الحرب المحليين قبل انعقاد الانتخابات.

الامر المؤسف هو ان إجراء انتخابات في هذه الوقت المبكر، لن يؤدي إلا الى استمرار مواطن الضعف والفشل، لذا من الافضل إرجاء الانتخابات حتى ربيع العام المقبل، حتى تتمكن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من بذل المزيد من الجهود لحل المشكلة الأمنية المتزايدة في افغانستان.

* مؤلف كتاب

Jihad: The Rise of Militant - Islam in Central Asia

خدمة «لوس أنجليس تايمز»