العراق ـ أفغانستان: تأجيل الانتخابات يعرقل فرص الاستقرار

TT

قالت كارينا بيريللي، مديرة قسم معني بالانتخابات تابع للامم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي عقد في الآونة الاخيرة، ان المنظمة لن تشارك في انتخابات صورية في العراق او افغانستان.

وهكذا، رغم مجهوداتها الايجابية، تعلن الهيئة السياسية الدولية الوحيدة عن موقف من شأنه ان يعرقل الانتخابات بدلا من ان تساعد في إنجاحها، في وقت يحاول فيه العراقيون والأفغان، إجراء انتخابات عامة سعيا لتثبيت نوع من الاستقرار السياسي. ففي الوقت الذي يحتاجون فيه الى دعم وثقة الآخرين، ابلغ القادة السياسيون في العراق وأفغانستان بأن جهودهم ومساعيهم لم تصل بعد الى مستوى المعايير الدولية المطلوبة.

التزام الامم المتحدة ببذل الجهود الايجابية المطلوبة، لا يعكس التزاما واضحا بإحداث تغيير ديمقراطي سريع في كل من العراق وأفغانستان. ففي العراق على وجه التحديد، تدعم الامم المتحدة فيما يبدو، مساعي تهدف الى تحجيم استفادة الغالبية الشيعية من العملية الديمقراطية، وهي الغالبية التي ينتظر ان تحقق اكبر الفوائد من الانتخابات. ولا ينبغي للامم المتحدة ان تسمح باستغلال أي جهة اخرى لها على هذا النحو.

معروف ان كارينا بيريللي كانت قد صرحت الشهر الماضي، بأنها تؤيد إرجاء الانتخابات العامة في العراق، في حال عدم تحسن الوضع الأمني، متجاهلة حقيقة ان المزيد من تأجيل الانتخابات المقرر اجراؤها في يناير (كانون الثاني) المقبل، لن يؤدي سوى الى المزيد من تدهور الوضع الأمني. كما ان تصريح مسؤولة ادارة الانتخابات التابعة للامم المتحدة، يعد استباقا للأحداث وحكما مسبقا لما سيحدث، اذا لم يتبع العراقيون نصيحتها.

لا توجد تصريحات اكثر من ذلك يمكن ان تثير غضب آية الله علي السيستاني، الزعيم الشيعي والسياسي العراقي وأتباعه ـ فيما عدا تلك التي ادلت بها بيريللي بعد اسابيع، عندما اعدت برنامجا انتخابيا مثيرا للجدل للعراق يعتمد على التمثيل النسبي.

ان بيريللي تتبع خطى ممثل الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي والحاكم الاميركي في العراق بول بريمر، في استغلال القلق بخصوص «حقوق الاقليات» (السنة) للسماح بالتلاعب بالنظام الانتخابي لغير صالح الشيعة.

هذا هو، على الاقل، الانطباع الذي كونه مستشارو السيستاني بخصوص جهود بيريللي، كما اشار واحد من مساعديه لي في الاسبوع الماضي.

ستعمل بيريللي وطاقم من 25 شخصا تقريبا، في المنطقة الخضراء الواقعة تحت الحماية الاميركية في بغداد، وسيتولى الطاقم تدريب العراقيين على إجراء عمليات تسجيل الناخبين والاقتراع. ومثل الابراهيمي الذي نادرا ما يخرج من مقر الاحتلال الاميركي المحصن، فإن فريق الانتخابات لن يجري اية اتصالات مع العراقيين العاديين او يجد فرصة لكي يقرر بنفسه ما الذي سيسمح به «الموقف الأمني» او لا يسمح.

ان ثمن تأخير الانتخابات يمكن أن يكون باهظا، وهو ما حذر منه الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الأميركيين سرا، أثناء زيارته الى واشنطن الأسبوع الماضي. ويعتقد كرزاي أن حملة انتخابية وعملية اقتراع يمكن ان تعجل بتحقيق الاستقرار السياسي في بلاده، على الرغم من النواقص المتوقعة والمشاكل الأمنية لعملية الانتخابات. فالتأخير يؤدي بالناس الى فقدان الثقة ويمنح القوى الفاسدة والمناهضة للديمقراطية فرصة أكبر لتحصين نفسها.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الأفغانية في أكتوبر(تشرين الاول) المقبل. ان تغييرا في القاعدة المقرة من الأمم المتحدة للسماح بالتسجيل والانتخاب في اليوم نفسه، يمكن ان يحل الكثير من المشاكل التي يشار اليها في الوقت الحالي، خلال الجدل الدائر من أجل تأجيل الانتخابات ستة اشهر. ويمكن لأعضاء حلف الناتو الأوروبيين المساعدة عبر تقديم الدعم العسكري الذي وعدوا به أفغانستان اخيرا.

ان الانتخابات عملية تربوية بالنسبة للسكان وتمنح المواطنين فرصة المشاركة الشخصية في مستقبل الحكومات. انها تحقق وعود التغيير، وهي القوة الدافعة في تحسين ظروف الحياة.

لا اكتب هذا بهدف انتقاد الأمم المتحدة، وإنما لتأكيد بعض النقاط الواضحة: لا يتعين أن تكون الانتخابات مثالية أو حتى سلمية حتى يحصل التغيير الايجابي. وعندما يواجه المرء الشكوك فعليه أن يثق بالناس.

* خدمة «واشنطن بوست»

(خاص بـ «الشرق الأوسط»)