الرجم بالحجارة

TT

فهد عامر الأحمدي، كاتب سعودي شاب، أو شاب سعودي كاتب ـ لا فرق ـ المهم أنني احترت به وفيه ومنه، اقرأ له شبه يومي في جريدة الرياض، وهو، على فكرة، مكسب لها.. أعود للموضوع الذي لم أخض فيه بعد، وأقول إن فهد هذا مولع بـ«إحصائيات الحياة» إن جاز التعبير، وأخشى ما أخشاه أن ذلك التعبير الذي تمنيته لن يجوز أو يجاز أو «يجزجز».

أياً كان، وأياً كان فشلي فلن أتوقف عن كتابة هذه المقالة التي سوف أنال عليها أجراً مادياً يساهم في ملء جيوبي «المخرومة والضائعة»، وكذلك الرفع من شأني أمام نفسي، أنا على الأقل، ورحمك الله يا أبا فراس عندما قلت: «إذا مت ظمآن» فلا نزل، وينزل، وما سوف ينزل.. هذا الفهد الأحمدي، حاول أن يسير على خطى ابن بطوطة وماركو بولو وأضرابهما خلال «75 يوماً» ولم يفلح تماماً، رغم أنه فلح «نسبياً».. وهو ذكرني بشبابي الذي لم ينصرم بعد، ولن ينصرم مهما حصل، حتى لو تزحزح الهرم من مكانه، أقول إنني قبل «قرن من الزمان» ذهبت في رحلة مكانية وزمانية مجانية وتعيسة وغير مبرمجة، على ظهر جيب «مدردع»، أحاول أن اضرب «ماكينته» المبوشة أو المخبّطة، مثلما كان عمّي وخالي وقبائلهم المصابة «بالأنيميا» قبل مئات السنين عندما كانوا يضربون «أكباد الإبل» غير عابئين، ولا هم لهم غير معانقة الحياة في أصعب عطاءاتها البخيلة، لسد أفواه «زغب الحواصل» الذين لا ماء لديهم ولا حتى ظل شجرة.

حينما انطلقت في رحلتي غير السعيدة ولا الشقيّة تلك، لم أكن «متيما» كما يجب، لا بالمبادئ، ولا بالشعائر، ولا بالقبائل، ولا بآكلين «الكافيار»، ولا «ببصاطير» العساكر، ولا حتى بالذي «يأتي ولا يأتي»، كان همي هو «هم نفسي» فقط، كنت بالفعل «لا منتمياً»، أي بوهيمياً، أو شبه بوهيمي، وبمعنى أكثر دقة كنت «هيبياً واهماً» إلى درجة لا تصدق، بل وإلى درجة أن الدمع كان يسيل من «المآقي» وأنا لا أشعر.

صحيح أنني كنت وما زلت على هامش الحياة، غير أنني وبكل وقاحة، اتشبث بها في اليوم الواحد أكثر من «25 ساعة» ـ أكرر 25 ساعة بدون توقف ـ وأنا وهي ـ أي الحياة ـ ألفنا بعضنا بعضا، فهي لا تمل وأنا لا أتعب.. ولولا خشيتي من «قلّة الأدب» وما أكثرها، لصحت وعويت بأعلى ما في حنجرتي من صوت، مثلما يعوي الذئب الجائع في الليالي الحالكات، معاتباً وثائراً ومتمرداً على كل النجوم، التي لا تدري أن الجوع ضارب أطنابه في أرجاء العالم الذي يقال له «المعمورة».. وان «الحب» الذي يدغدغ القلوب ويسطحها، يمرغ اليوم وجهه الجميل على حد المقصلة، وساكب دمه الأحمر القاني كالنبيذ المعتق على موائد الشاربين المهيبيل.

فهد عامر الأحمدي، شاب وسيم بلحية أنيقة، يزرق الناس يومياً بجرعات من الأمل الذي لا أدري من أين يأتي به في هذا الوقت القميء المتفاقم؟!، هذا الوقت الذي تكدح فيه شعوب العالم الحي المليء بساعات العمل «الديالكتيكي»، في الوقت الذي تتزاحم وتتقاتل فيه شعوب العالم العربي لدخول الحمامات.

إنني محتار بنفسي وجاثم عليها، أريد منها ما لا اقدر ولا تقدر هي عليه، ممسكاً بكل أعلام التاريخ واحداً اثر واحد كأوصال «الباربكيو» يشكّون كلهم «بسيخ» واحد يتوقد تحت جمر لا يجامل ولا يرحم.

يا إلهي.. خذ بيدي أولاً، ثم اتبعها بفهد، لأنني في حاجة قصوى إليك. أريد أن أحكي وأشكي وأبكي لك أنت وحدك، خصوصاً في هذا الوقت الذي جانبت فيه (أنا) الصواب عن سابق عمد وإصرار وترصد، ومن كان منكم «يا طاهرين الذنوب» بلا خطيئة، فليرجمني، وقبلي فهد، بكل حجارة العالم الثالث فقط.