محاولة جديدة وجدية .. ولكن ..!

TT

بعد موجة من التحريض على الدور المصري، مع ما حملته من مقولات مثل انهاء دور عرفات، والعودة الى عهد الوصاية، والاقتصار على الجانب الأمني فقط، ادى الوزير عمر سليمان، واحدة من اهم زياراته للفلسطينيين والاسرائيليين. وقد سبق المبعوث المصري عرض واضح لدور مصر، ومحتواه، ومراحله، مما طمأن الجميع، وفتح الأبواب امام محاولة جدية للحل. والمراقب لمجريات الأمور لا يستطيع عزل زيارة سليمان الأخيرة عن الاجتماعات التي انطلقت في طابا، والتي تؤكد حرص الإدارة الأمريكية على تفعيل دور اللجنة الرباعية، تحت عنوان «محاولة الاستفادة من مبادرة شارون على طريق تنفيذ خطة خارطة الطريق». وحتى الآن، ورغم الحذر البديهي من التفاؤل في عهد حكومة مثل حكومة شارون، الا ان بوسعنا اعتبار ما يجري، محاولة جدية للتحرك مع توفر عناصر مساعدة، ربما لم تكن متوفرة من قبل، حتى اثناء البدايات الزاهرة لادارة بوش في شرم الشيخ والعقبة! فما هي العوامل المساعدة تحديدا؟

اولا ـ لقد حصل الوزير عمر سليمان على التزام هذه المرة، من قبل الرئيس ياسر عرفات، بتنفيذ جميع طلبات الجانب المصري خلال مدة اقصاها ستة اسابيع. ومن المنطقي ان تبدأ ورشة عمل نشطة لانجاز هذه الطلبات. وفي حال كحال الساحة الفلسطينية، فان اول ما هو مطلوب، هو الشروع الفوري في حوار داخلي، يفضي سريعا الى نتائج حاسمة. والأمر هنا لن يقتصر على هدنة او وقف مؤقت لاطلاق النار، وانما يمتد الى بلوغ تفاهم شامل على كافة القضايا الداخلية المطروحة على الساحة الفلسطينية، بدءا من تحويل غزة الى نموذج ايجابي في الأمن والادارة وسيادة القانون، وليس انتهاء بالتخلي عن الأجندات الخاصة، لمصلحة اجندة وطنية موحدة متفاهم عليها، تساعد على تطوير الحل في الضفة بما يوفر امكانات قوية للتقدم على طريق اقامة الدولة الفلسطينية. ان الوفاء بطلبات مصر، التي هي بالجملة والتفصيل طلبات شعبية فلسطينية بالأساس، سوف يقوي دور مصر في الحل انطلاقا من بديهية لا نقاش فيها، وهي ان دور مصر تاريخيا وواقعيا كان مطلبا فلسطينيا، وضمانة فعلية لابعاد شبح الاستفراد الاسرائيلي بالفلسطينيين.

ثانيا ـ ان العالم، ومن خلال «الرباعية»، حسم امره باتجاه دعم محاولة الحل الجديد، وفي ذات الوقت، دعم الدور المصري، الموافق عليه اسرائيليا بحكم الحاجة والأمر الواقع، ولا جدال في ان اجتماعات الرباعية بنيويورك الشهر الماضي واجتماعها امس في طابا، اضافة الى تصريحات وليام بيرنز، تشير بوضوح شديد، الى ان هذا الاطار الدولي يهيىء نفسه لجولة جديدة من العمل، خاصة بعد نضوج نسبي لمبدأ اشراك اطراف اخرى في عمليات الحل. واذا كان من جديد في هذا السياق، فهو ظهور رغبة امريكية اكثر وضوحا، بتحريك الاوضاع الجامدة على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، خاصة بعد تفاقم التعقيدات في العراق. ان ادارة بوش بحاجة الى نوع من الانجاز، ولعلها ترى ان تحريك الأمور هنا، دون ردود فعل معارضة من قبل انصار اسرائيل، ورقة تستحق ان تلعب في غمار الانتخابات الصعبة التي تخوضها هذه الادارة بالذات.ثالثا- مع فهمنا التفصيلي، لتكتيكات شارون، وولعه بالمناورات، والابتزاز، داخليا واقليميا وامريكيا، الا ان انسحابه من غزة، واخلاءه المستوطنات، وقبوله القسري بدور مصر، وقبوله الموضوعي، رغم الكلام الكبير، بالتعامل مع السلطة الفلسطينية، يشكل لو تم التعاطي معه بدهاء عاملا مساعدا لحركة فعلية باتجاه الحل. وهنا على الفلسطينيين ان يواصلوا حذرهم من شارون دون ان يؤدي هذا الحذر الى الخوف والهروب من الساحة السياسية الى اتجاهات اخرى. لقد برهن الفلسطينيون عمليا ومعنويا عن انهم لم يهزموا، وان لديهم امكانات كافية، لمواصلة اللعبة السياسية مع اشقائهم واصدقائهم. وهنا يأتي وقت التفكير الهاديء، والقرارات الشجاعة. وبلا حرج اقول إن هذا هو الوقت الأكثر ملاءمة لاقتحام السياسة، واثبات الوجود فيها.

هذا ما أراه عوامل مساعدة، دون أن اصل بالتحليل إلى اليقين بأن هذه العوامل سوف تضمن حلا سياسيا متوازنا، فمنطقتنا هي منطقة المفاجآت، وإذا كنا والمصريون والعالم نفكر بطريقة واحدة، وهي السعي باخلاص إلى بلوغ حل سياسي متوازن وفق خطة خارطة الطريق، فان الرمال المتحركة في إسرائيل، والأمزجة المتقلبة لدى قياداتها السياسية، قد تحول العوامل المساعدة إلى عكسها.

رغم ذلك، لا مناص من الدخول الى التجربة، وتوفير كافة شروط نجاحها على الجانب الفلسطيني، فان أفضت جهودنا إلى نتائج عملية ايجابية، فهذا جل ما نرجو، وان جرى تدميرها على يد الطرف الآخر، فلن نخسر، بل سنكسب حتما توجيه الملامة والادانة للمعِّوِقين. ولنحرص من الآن فصاعدا ألا نكون منهم.

* وزير فلسطيني سابق