الحالة العراقية: اقرأوا كتابيِِِِِ ..!

TT

كان مفترضا أن يؤدي النصر العسكري في العراق إلى تغيير سايكولوجية الشعوب، فضلا عن تغيير النظام في بغداد. وقد قال الرئيس بوش في خطاب حالة الاتحاد في يناير: من أجل أن تكون الدبلوماسية فعالة، فإن الكلمات يجب أن تكون صادقة. ولا أحد يشك الآن فيما تقوله أميركا.

ولكن لا يبدو أن الأمور لا تسير على هذا المنوال واحتلال العراق يتعثر نحو هذه النهاية الباهتة في 30 يونيو (حزيران). وتخضع أهداف وديمومة استخدام القوة العسكرية الأميركية بالخارج لحوار أعلى صوتا وتتعرض لإدانات متزايدة في وسائل الإعلام، وفي خطب الحملة الانتخابية بالداخل، وفي التجمعات الدولية في كل مكان. ويحدث ذلك بوتائر لم نشهدها مثيلا لها منذ حرب فيتنام.

وهذه مشكلة تتضخم باستمرار في وجه بوش وهو يتقدم نحو الانتخابات. ولكن نتائج الفشل في خلق سايكولوجيا الانتصار بغزو العراق بعد أفغانستان، أوسع كثيرا من مصير بوش في صناديق الاقتراع. فالإحباط المترتب على فشل التدخل الأميركي في الخارج، له أبعاد إستراتيجية. فالسقف الذي يبرر شن الحرب الوقائية، على سبيل المثال، سيرتفع بصورة ما في المستقبل القريب. كما أن المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل و ونوايا الطغاة والعصابات الأرهابية التي تملكها، لا ينتظر أن تكون واضحة بصورة كافية، بحيث تستجيب لمعايير ومقتضيات التحرك الفعال التي عبرت عنها الإدانات وصيحات التجريم التي أعقبت غزو العراق. كما أن تحليلات المعلومات الاستخبارية ستصبح أكثر حذرا وغموضا قبل رفعها لصناع السياسة. وبالتالي فإن الثغرات المفتوحة أمام الهجمات الإرهابية المباغتة ستزداد إتساعا. وستؤدي الإحباطات الواسعة إلى إضعاف التبريرات المثالية لأولئك الذين يدعون إلى إرسال القوات الأميركية إلى ما وراء البحار. وبالنتيجة فإن القبول المتزايد للتدخل الإنساني الذي أنتج الشعار الرحيم:«لا رواندا بعد اليوم»، يفسح المجال حاليا لشعار نقيض هو «لا عراق بعد اليوم». إن سوء إدارة الاحتلال في العراق وما صاحبه من انتهاكات قد نفي كثيرا من المثاليات المرتبطة بالتحرير في ظرف عام واحد طويل دموي.

في عام 1999، وعندما كان يتحدث عن كسوفو، نادى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بنشوء «أممية جديدة». لا تناضل فيها الشعوب والدول من أجل اعتبارات التوسع، بل من أجل سيادة القيم.. ولإقامة عالم لا يجد فيه أولئك الذين يرتكبون الجرائم مكانا يختبئون فيه». وقد ردد صدى هذه العبارات كوفي أنان في الأمم المتحدة، مما دفع الكثيرين لقبول فكرة تغيير النظام في العراق. وردت عبارات بلير في كتاب «قهر الأمم» وهو كتاب صغير يتكون من مجموعة مقالات أصدره روبرت كوبر، الذي عمل مستشارا لبلير ويعمل حاليا مسؤولا كبيرا بالاتحاد الأوروبي ببروكسل. ويتعامل كوبر مع النزعة العقلية المتعالية لبلير بتشكك هادئ لا يخلو من الأحترام. يقول كوبر:«التدخل العسكري الإنساني ينطوي على مخاطر جمة خاصة بالنسبة للمتدخلين. فمن الصعب رسم أهداف واضحة، ومن الصعب أن تعرف مسبقا أين تتوقف. ومن سوء الحظ ان بوش زاد من الارتباك عبر اطالة أمد احتلال العراق وعواقبه، ومباركة الولاء المكشوف في بغداد حيث رئيس الوزراء الجديد هو مصدر قديم من مصادر وكالة المخابرات المركزية اتهمته مجلة «النيويوركر» الأسبوع الحالي بكونه، كان يوما ما، جزءا من فرق الاعدام التابعة لصدام حسين. ان واشنطن في قبضة سلسلة متداخلة من ممارسات اللوم الموجهة للتأثير في انتخابات نوفمبر، لتشويه سمعة المنافسين. ان النظرة حول مستقبل أميركا في العراق والشرق الأوسط والعالم سرعان ما يجري التخلص منها في هذا المزاج السايكولوجي البغيض. وهكذا هو الحال مع آمال التدخل الانساني التي كانت مشرقة ذات يوم.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»).