المطلوب بعد حكم لوكربي

TT

بعد تسع سنوات من المنازعات القانونية والدبلوماسية، وتسعة أشهر من المحاكمة، توصلت اخيرا المحكمة الاسكوتلندية المنعقدة في قاعدة «كامب زايست» في هولندا الى حكمها النهائي بشأن المواطنين الليبيين المتهمين بالتسبب في سقوط طائرة «بانام» الاميركية فوق لوكربي الاسكوتلندية في ديسمبر (كانون الاول) 1988وقتل جميع ركابها وافراد طاقمها.

وجاء مضمون الحكم مفاجئا، خصوصا عند النظر اليه من زاوية توقعات المراقبين الذين تابعوا وقائع المحاكمة طوال الاشهر التسعة الماضية. فقد نص الحكم على تبرئة احد المتهمين، وهو الامين خليفة فحيمة، وادانة الآخر، وهو عبد الباسط المقرحي. وبينما اطلقت المحكمة فورا سراح فحيمة، اعلن فريق الدفاع عن المقرحي انه سيباشر، على الفور ايضا، اجراءات الاستئناف ضد الحكم. بيد ان هذه الاجراءات قد تستغرق سنة على الاقل لاستكمالها.

من جهتها، بادرت ليبيا الى الاعلان رسميا عن احترامها للحكم. هذه المبادرة جيدة، ويجب ان تنظر اليها بقية اطراف هذه القضية المعقدة على انها اشارة على حسن نية من جانب الطرف الليبي.

ومن المتوقع، بل والمنطقي ايضا، ان تربط ليبيا بين اعلان احترامها للحكم وبين مطالبتها بالرفع الفوري لكل اشكال العقوبات المفروضة عليها نتيجة لتعقيدات هذه القضية. والواقع ان ليبيا عانت كثيرا من تأثير العقوبات التي فُرضت عليها قرابة العقد، ولا شك ان تأثير العقوبات طال جوانب عدة في حياة الليبيين كشعب، مثلما طال قطاعات عديدة في مرافق الدولة الليبية، واثر سلبا على اقتصادها وحركتها التنموية.

لذلك، من حق ليبيا الآن، وقد اصدرت المحكمة الاسكوتلندية حكمها في هذه القضية، ان تأمل بتجاوز هذه الازمة. وعلى الجهة المقابلة، لن يكون من المفيد التشدد باطلاق شروط جديدة لرفع العقوبات، او الصراخ بلهجة حادة ومستفزة تبدو وكأنها تقصد تحديدا ايذاء مشاعر الليبيين، بل ينبغي على واشنطن ولندن، اللتين قادتا التحركات الدولية لمحاكمة المواطنين الليبيين، التجاوب مع المبادرة الليبية بالاعلان عن احترام حكم المحكمة، والمساعدة في اغلاق هذا الفصل.

في الوقت نفسه، ينبغي ان تكون الاحكام الصادرة عن المحكمة علامة على انتهاء محنة عانت منها عائلات ضحايا الحادث، اذ بمقدورهم الاطمئنان الآن الى ان محكمة مؤهلة تصرفت بموجب القوانين والقواعد المرعية، توصلت الى حكم قضائي محدد في هذه القضية المعقدة. ويبقى ان قضية لوكربي ستدخل القانون الدولي كسابقة مهمة. كما ان هذه القضية اثبتت انه عندما يتوفر التعاون وحسن النية على مستوى دولي، فان الدول تستطيع استخدام القنوات القانونية الطبيعية لحل خلافاتها.

«الشرق الأوسط»