تعهد...

TT

لا يوجد إحصاء دقيق ومفصل عن عدد الذين قاموا بكتابة تعهدات لدوائر حكومية مختلفة في السعودية، ولكن من الممكن القول ان عددهم كبير للغاية. لا أعلم عن دول أخرى في العالم تستخدم فيها كتابة التعهد كإجراء إداري معتمد ومتبع كما هو الحال بالسعودية.

والغاية الأساسية من كتابة التعهد هي إعلام الشخص المخالف سواء أكان مواطنا أو مقيما عن طبيعة مخالفته وتحذيره من القيام بنفس المخالفة مستقبلا، وأنه بالتالي (قد أعذر من أنذر). ولكن ما هي أهمية هذا التعهد قانونا أو نظاما؟ وهل يسقط التعهد بانقضاء فترة زمنية عليه أم أنه يبقى كالسيف مسلطا على رقبة من يخالف ذلك؟ وهناك العديد من التعهدات كتبت سابقا لأمور كانت تعتبر من ضمن المحظورات والممنوعات وباتت اليوم تمارس بطبيعة وسلاسة بعد تغير الظروف والأحوال المحلية والإقليمية والدولية.

وهنا سؤال لا بد أن يطرح نفسه، وهو هل تنتشر فكرة استخدام كتابة التعهدات في ظل ضعف الأنظمة المكتوبة والقوانين المشرعة لذلك، أم بسبب التفاوت في التطبيق وبالتالي الفعالية؟ لأنه من المنطق والطبيعي القول انه في حالة وجود تطبيق فعال وشامل للأنظمة تبطل الحاجة للعمل بالتعهدات أو الاحتفاظ بها، لأن الملجأ الإداري النافذ الوحيد وقتها سوف يكون قضاء فعالا وجهازا تنفيذيا حاسما يكفي نظامه لإنجاز المطلوب.

الخطورة في عدم العمل، وتزكية مناخ الأنظمة الإدارية والقوانين والتشريعات المصاحبة لها، أنها بذلك تكرس النظرة الفردية للمواضيع بدلا من النظرة المؤسسية الثابتة، فتترك المجال لرأي شخص واحد وحكمه على أمر ما، بدلا من نظام واضح يسري على الكل.

هناك العشرات من التعهدات في أقبية وملفات الدوائر الرسمية المختلفة منها ما يثير الاستغراب ومنها ما يثير الخوف والتعجب، ولكنها جميعا وفي كل الأحوال تبين لنا وبصورة غير عادية مسيرة تطور العمل الإداري في البلاد.

قد يكون من المفهوم في فترة معينة ولظروف مختلفة أن يسمح العمل بكتابة التعهدات، ولكن اليوم وبعد مسيرة من النضج الإداري لا بد أن يحدث الانتقال من الأسلوب الذي كان متبعا إلى أسلوب جديد، تكون فيه الالتزامات والمسؤوليات واضحة تماما للطرفين.

من اللافت أن نرى التفاوت الكبير ما بين بعض الدوائر الحكومية وبعضها البعض في شأن تعاملاتها مع المواطنين والمقيمين من الذين يراجعونها، فهناك دوائر تتبع مبدأ التعهدات أكثر من غيرها، حتى باتت أساسية في فكرها وثقافتها وبالتالي فحتى هذا «المبدأ» هو غير معمم وما هو الا اجتهاد في مواقع معينة.

تجربة التعهد وكتابته حقبة إدارية معينة في التاريخ الحكومي ومطلوب، ونحن ندخل حقبة الحكومة الإلكترونية، أن نتوقف بالعمل بها ونكرس فكر النظم والقوانين لما فيه المصلحة العامة.