الإعلام وقضايا النساء

TT

عندنا في العالم العربي فرضيات نتعامل معها كبديهيات او كنظريات مثبتة، ومنها ان اعلامنا الحالي وسيلة من وسائل تحرير المرأة لكن قبل ان نحكم بالسلب او الايجاب على فرضية فضفاضة من هذا النوع لا بد ان نسأل أنفسنا سؤالا متوازنا كأن نقول مثلا: هل الاعلام العربي فرصة معرفية لتحرير المرأة العربية أم انه وسيلة أخرى تساهم في زيادة قيودها؟

فسؤال من هذا النوع يبدو أكثر منطقية من ان نقر سلفا بأن الاعلام الجديد يساعد اوتوماتيكيا على عتق النساء من قيودهن الموروثة فقد لا يكون الأمر كذلك، خصوصا اذا كنا نحكي عن التلفزيون الذي يعتبر مع الإنترنت الأحدث والأوسع انتشارا والأكثر تأثيرا ورسوخا.

وحين يتعلق الأمر بالتلفزيون العربي القادر وحده على الوصول الى النساء الاميات اللواتي يشكلن الاغلبية بين النساء العربيات لا يستطيع أحد ان يزعم ان غالبية الذين يشرفون على قنواته المحلية والفضائية من أنصار تحرير المرأة ناهيك من ان يكون ممولو تلك المحطات من أصحاب النزعات التحررية المعروفة، فصناعة التلفزيون عربيا اما ان تكون ذات أهداف تجارية بحتة وإما ذات طموحات سياسية خفية وعلنية; فالاول يرمي الى الكسب فحسب وبما انه لا ديمقراطية في البلاد العربية فلا يمكن الزعم بأن النوعية الثانية خدمات اضافية مخصوصة للحصول على أصوات النساء.

ان متابعة دقيقة للبرامج التلفزيونية التي تستهدف النساء في أكثر من قناة عربية تكشف عن استراتيجية برامجية غير معلنة تعاملهن ككائنات استهلاكية تحركها غرائزها وشهواتها ولا تفكر بغير جسدها ومعدتها وزينتها فمعظم القنوات تقدم للنساء برامج الموضة وعروض الازياء والطبيخ ومواد التجميل ودروس الرشاقة والقليل المتبقي، وهو أقل من ثلاثة في المائة من البرامج التي تستهدف المرأة يخاطب عقلها ويركز على بعض المشكلات الجوهرية التي تواجهها في العصر الحديث وحتى هذه البرامج المعروفة بانفتاحها لا تجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء فتأتي رسائلها إما مبتورة وإما ناقصة لاضطرارها للتواؤم مع المناخ العام الذي لم يتشرب بعد الأفكار الداعية الى المساواة القانونية والاجتماعية بين الجنسين، فاذا أضفت الى ذلك قيود الرقابة الرسمية والدينية والاجتماعية تدرك على الفور ان اية رسالة تحررية ستصل بعد هذه الفلترة الثلاثية المركبة اما مبتورة وإما مشوهة وإما ناقصة.

ولا نريد القفز الى المثاليات والاستنتاجات الخاطئة بالقول ان الغاء الرقابة سيحل تدريجيا هذه الاشكالات، اذ لا توجد مرحلة من التاريخ اختفت فيها الرقابة على الأفكار نهائيا فالأفضل ان نقر سلفا بصواب حكم الكاتب البريطاني دونالد توماس مؤلف كتاب «تاريخ الرقابة الأدبية في انجلترا» الذي يقول: «ان السؤال الذي يكاد يكون وثيق الصلة بأية مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني ليس هو: هل هناك رقابة أم لا؟ بل هو تحت أي نوع من الرقابة نعيش؟»

في العالم العربي، ما زلنا نعيش بعد الرقابة الذاتية المشددة تحت ظل الرقابة الرسمية والاجتماعية والدينية، والاخيرتان هما الأخطر حين يتعلق الأمر بقضايا النساء من حيث قوانين الأحوال الشخصية والميراث والأهلية القانونية أمام المحاكم.

ان حجم المادة الاعلامية التي تساعد على ابقاء النساء في وضعهن الحالي هي أضعاف تلك التي تحضهن على التمرد على واقعهن ومحاولة تغييره لتحرير أرواحهن وأجسادهن من سجون لا تختلف كثيرا عن حرملك الجدات، وما دام الأمر كذلك فالأفضل ان نتواضع قليلا وألا نقفز الى الأحكام الجاهزة حين نناقش مسألة من هذا النوع المركب.