دردشات جنادرية ـ عزف منفرد

TT

من فضائل مهرجان الجنادرية انه يعطي الكتاب العرب فرصة للالتقاء بزملائهم وقرائهم السعوديين. هذا ما حدث عندما اوقفني في طريقي الاستاذ عبد الله بو علامة. قال انه ممن واظبوا على قراءة زاويتي منذ بدئها. راح يروي لي نتفا منها ويسألني. اكتشفت ـ ويا للفضيحة ـ ان القراء يتذكرون جيدا ما كتبته بالامس في حين اكون انا قد نسيته كليا. ولكنني كما قلت لاحدهم زاهيا بنفسي تمثلت بقول المتنبي، انام ملأ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم! عرض عليَّ الاخ بو علامة ان يصطحبني الى اي مكان اريد. قلت خذني الى حيث يقضي السعوديون اوقاتهم. اصطحبني الى مقهى جار القمر على اطراف الصحراء، انها سلسلة من الخيام تحجز احداها فتجلس مع اصحابك على افرشة مطروحة على السجاد، تتكئ الى وسائد عالية وتتدفأ بنار منقلة في الوسط، تدخن النرجيلة اذا شئت، او تكتفي بالشاي والقهوة، وتقضي السهرة تتسامر. وما اجملها من سويعات حافلة بالانسانية والاخوة.

الاخ عبد الله مسؤول عن تعميم الفصل المثالي في تعليم الانكليزية، وهي فكرة تبناها لسنوات في تحفيز الطلبة وتعليمهم اللغة بأسلوب عملي مجسم اثمر عن نتائج مشجعة دفعت وزارة المعارف الى تبنيها وتعميمها. ناولني فنجانا آخر من شاي النعنع ثم عطف بالحديث عن قرى غامد ومجتمعها القبلي. قال، تجد في معظم المجتمعات ان الناس يعطون العرف اولوية فوق الدين. ثم راح يروي لي حكاية الشاعر والحكيم الغامدي عبد الله الزين.

انطلق للحج وتوقف في طريقه لقضاء ليلية مع احد اصحابه. وجده منشغلا بتنظيف بندقيته القديمة. ادرك انه يستعد لمعركة ضد القرية المقابلة فجر الغد. اعتاد القوم على تحدي سيطرة العثمانيين وقاتلوهم. في احدى هذه المعارك اخذوا بعض الاسرى الاتراك. لم تعبأ السلطة بمصيرهم. فذابوا بين اهل المنطقة تحت حمايتها. سول الشيطان لاحدهم ان كسر اعراف السكان وجرح كرامة القرية المقابلة التي ردت عليه بقتله. اغتاظت القرية الاولى من قتل احد من حمايتها فطالبت القرية الثانية بالثأر بتسليم تركي منها لقتله. فأبت واشارت الى سوء فعلة القتيل كمبرر كاف لقتله. لم يقتنعوا بذلك وقرروا اخذ الثأر بنفسهم بالاغارة عليهم وقتل احدهم. نهضوا صباحا واصطف المقاتلون للقتال. واذا بعبد الله الزين يحمل راية بيضاء ويقف بين الصفين ليقول انه ليس منهم وفي طريقه للحج. ولكنه يود ان ينشدهم قصيدة قبل ان ينصرف في طريقه ويترك الامر لهم. ثم انطلق فأشاد بمكارم القوم ونخوتهم وبسالتهم على طريقة الشعراء الاقدمين ثم اشار الى ان المسيء لا يستحق من الدية غير حفنة التراب التي يموت فوقها:

والا خذ قولنا واحكم على ديته ما تحت جنبه ما ان انتهى الشاعر من قصيدته حتى القى القوم سلاحهم وتصالحوا. وكانت من القصائد التي اغنت عن معارك وحقنت الدماء. استمعت للاخ عبد الله يروي حكاية قومه وانا اجول بفكري نحو نقلها للنشر بالانكليزية كمثال جيد لروح السلام وبغض العنف وسحر الشعر على العرب.