رضاكم أيها الحلوين

TT

مشكلة من يكتب عن الشكليات أو (المستحدثات) التي أدخلت على العبادات، وتمسك بها البعض، وكأنها مكاسب لا يمكن التفريط بها، هذه المشكلة تجعل من يكتب يحسب ألف حساب لمن جعلوا من أنفسهم رقباء وأمناء على الذود عن بيضة الإسلام، وكأن إخوانهم في الدين الذين يختلفون معهم في الاجتهاد لا يمتون لهم بصلة.

ولنأخذ قاعدة مهمة لا يستطيع أن ينكرها أحد، ألا وهي: «الضرورات تبيح المحرّمات» ـ ومعنى ذلك أن المحرمات قد تحلل إذا وجبت الضرورة القصوى، فكيف لا (تحلل) الضرورات غير (المحرّمة) شرعاً ـ خصوصاً إذا كان فيها ضرر بالغ ومؤكد على الأفراد، والجماعات، ومصالح الأمة. وهي تبدو لبعض الناس بسيطة، غير أنها في واقع الأمر فادحة.. من هذه الأشياء (المستحدثة) مثلاً (الميكرفون) الذي لم يوضع على رؤوس المآذن إلاّ قبل عقود قليلة، أما قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فكان كل مؤذن يرفع صوته الرخيم بقدر ما يستطيع ولم تكن هناك مشكلة.

لا أريد أن أفتح على نفسي باباً من أبواب جهنم، وأقول: الغوا (الميكرفونات)، لا أبداً حافظوا عليها جداً، ولكن فقط خففوها (شوي)، أو على الأقل وحّدوا درجاتها، فليس من المعقول أن (يرقع) مؤذن بالصوت عبر عشرة مكرفونات في مسجد لا يصلي فيه غير عشرة أشخاص.. والأدهى والأمر من هذا أنني أصبحت أشك فعلاً أننا قوم لا نحترم ولا نشفق ولا نخاف، ولا تعني لنا ظروف الآخرين أي شيء، فالمريض له أن يتوجع ما شاء له أن يتوجع ولا يلتفت له احد، والطفل الرضيع عليه أن يتفزز ما شاء له أن يتفزز ولا يعطف عليه احد.. أعود وأقول: إنني لست ضد مكبرات الصوت التي اخترعها لنا الغرب الكافر، مثلما أنا لست ضد (التلسكوبات) أيضا، التي أتمنى أن نعدل بينها وبين (الميكرفونات) لنحدد بها بدقة ولادة القمر، بدلاً من أن نضرب كل شهر أخماساً بأسداد: هل خرج أم لم يخرج؟! هل دخل أم لم يدخل؟!

ويا ليت أصوات (المكرفونات) تكون مقتصرة فقط على الأذان، أما إذا كبّر الإمام للصلاة، فتكون السماعات الداخلية وحدها هي التي تعمل، لأن الله تعالى طلب عدم الجهر بالصوت، كما أن ابن باز رحمه الله سبق وان أفتى بذلك.

ويا ليت، وما أكثر ما قلت يا ليت، ولكنني نسيت أنها لا تعمّر أي بيت، ومع ذلك اصر وأقول: يا ليت إن صلاة العشاء تتأخر إلى العاشرة والنصف مساء مثلاً، لكي يكون الوقت فسيحاً من المغرب إلى العشاء، من أجل أن يقضي الناس حوائجهم بيسر، وتزدهر الأسواق، وتتعدد المصالح، وهذا سوف ينعكس بالطبع على المنفعة الاقتصادية العامة، وعلى حد علمي ـ والله أعلم ـ انه من الأفضل أو المستحب أن تتأخر صلاة العشاء.. بدلاً من أن نشاهد الناس متكدسين على أبواب المحلات، ثم ينفتح المجال عريضاً (لقلّة الأدب).. فنسبب بذلك حرجاً بالغاً وإهانة للنساء، وتعباً للأطفال، وضياع وقت الرجال.

كما أن لدي اقتراحا ليس له لا بالدين ولا ما يحزنون، ولا أدري عن مدى وجاهته، وهو يتلخص بالآتي: لماذا لا نجعل إجازتنا الأسبوعية الجمعة والسبت، بدلاً من الخميس والجمعة، ونكون بذلك قد وفرنا (يوم عمل كامل)، بدلاً من أن يضيع في سباتنا العميق، في الوقت الذي العالم كله يعمل ويتبادل المنافع مع بعضه البعض.

وأقول للجميع ـ خصوصاً الغاضبين منهم والمتبرمين ـ انني لست مصراً على اقتراحاتي تلك التي طرحتها، ومن الممكن جداً أن اشطبها كلها الآن بجرّة قلم، وكأنني ما كتبتها وما دعيت إليها.. المهم رضاكم أيها (الحلوين).