صدام وأصحابه الخارجيون

TT

قبل أن تتسلم السلطات العراقية صدام حسين واركان نظامه من القوات الاميركية رفعت مؤسسات ومنظمات وأجهزة اعلامية عربية شعارا ألحت في المطالبة بتحقيقه، وهو عدم تسليم صدام واصحابه الى السلطات العراقية. واعلنت هذه المؤسسات والمنظمات انها ستحمّل الولايات المتحدة المسؤولية عما سيحصل لمسؤولي النظام العراقي المخلوع.

هذه المطالبة تعبّر في الظاهر عن خشية اصحابها على مصير صدام واصحابه من انتقام مفترض للسلطات العراقية الجديدة من مسؤولي النظام المخلوع، لكنها في الواقع تعكس خواء اصحاب هذه المطالبة وتناقض موقفهم، وهو أمر مفهوم لأن هذا الموقف هو في اساسه انتهازي ونفعي ومنافق.

اصحاب هذه الدعوة يتشبثون، إذن، بالابقاء على صدام واصحابه تحت وصاية القوات الاميركية وعدم نقل هذه الوصاية الى الحكومة العراقية. أي انهم يشعرون ان مصير صاحبهم واصحابه سيكون اكثر أمنا في ايدي الاميركيين مما هو في ايدي العراقيين.

واذا ما تذكرنا ان اصحاب الدعوة لعدم تسليم صدام واصحابه الى العراقيين بعد نقل السلطة هم انفسهم الذين ما فتئوا يطالبون بالرحيل الفوري للقوات الاميركية وغير الاميركية عن العراق الذي لم تستقر بعد أوضاعه الأمنية ادركنا ان هؤلاء السادة معنيون كل العناية بمصير صاحبهم واصحابه وليس بحال العراق ومصير شعبه، والسرّ في هذا مدفون بين طيّات كوبونات النفط وسواها من عطايا السحت الحرام التي يبدو انها لم ينقطع بعد تدفقها على اصحابها القدامى عبر

مسارب جديدة.

***

انتقد البعض تعيين قاض شاب للتحقيق مع صدام واصحابه، لكنني شخصيا سُعدت بهذا التعيين واعتبرت ان فيه حكمة ان كان مقصودا.

فلطالما تفاخر صدام بأنه بنى، خلال حكمه الطويل، «الجيش العقائدي» وأنشأ «الجيل العقائدي » وكوّن «الشعب العقائدي»، مرددا المقولة المحببة الى نفسه «كل العراقيين بعثيون وان لم ينتموا». وكانت تلك، بالطبع، كذبة كبيرة، ذلك ان الكراهية لصدام بين صفوف الاعضاء العاديين لحزب البعث (المرغمين على التسجيل في الحزب) لم تكن اقل قوة من مثيلتها بين صفوف سائر العراقيين.

والتحقيق مع صدام واركان نظامه ومحاكمتهم من قبل قضاة شباب سيكونان دليلا جديدا واضحا على عقم النظريات الشمولية والانظمة الشمولية.

محاكمة صدام واصحابه ستكون محاكمة لنظامهم، وهي ان أنجزها قضاة شباب فسيعني ذلك ان محاكمة هذا النظام ستتم على ايدي «ابنائه».

العراقيون واصدقاؤهم يريدون لمحاكمة صدام واركان نظامه ان تكون عادلة كل العدل ومنصفة كل الانصاف، ولهذا أيدوا إجراءها وفقا لنظام قضائي جديد يلتزم المعايير القانونية

والحقوقية الانسانية المقرّة دوليا، وليس وفقا للنظام القضائي غير العادل وغير المنصف الذي اختلقه نظام صدام.

المحاكمة العادلة والمنصفة ستنصف الشعب العراقي وستعوّضه عن خسائره الجسيمة وستقتصّ، معنويا في الأساس، من صدام واصحابه الداخليين والخارجيين.