الوقت الخطأ للذهاب

TT

تركت دبي في الوقت الخطأ. وهذا لا يعني ان هناك وقتاً «صحيحاً» لترك دبي. او ان الحكمة تقضي بانتفاء موسم معين لذلك. فأنت تترك دائماً اصدقاء على ضفتي الخور. وتترك اناساً ذوي ودّ شديد في كل مكان. ولا يهم كم من الوقت تقيم، فإن دبي تستقبل وتودع على الدوام معارفك واصدقاءك، وتستضيف في مؤتمراتها ومهرجاناتها، اشخاصاً من كل وطن، تربطك بهم صلة ما، في مرحلة ما، في مكان ما.

ولم التق في دبي بعض اصدقائي فحسب بل التقيت عدداً كبيراً من ابنائهم ايضاً. وكنت عندما اذهب لتناول الغداء في مطعم المدينة الاعلامية، اشعر بفرح غامر وانا اشاهد في كل مكان، الابناء الناجحين والشبان الاذكياء، وقد حملوا علومهم ولمعانهم ونجاحهم، وجاءوا الى دبي يعطون ويأخذون. يقدمون لها العلم وتعطيهم النجاح والحياة السهلة وتبسط نفسها امامهم بغير منة. فلا فرق بين مواطن ومقيم. وكل المعاملات التي تؤدي عادة الى الاحتكاك والشعور بالمرارة، تنجزها في دبي بالإنترنت. حتى دخولك الى البلد اصبح بالبطاقة التي تدخل بها الى مرآب منزلك. ويزدحم السير في دبي، صباحاً ومساء، ولا تشاهد شرطياً الا في الندرة. فالشارة الحمراء (او الخضراء) هي ارفع رجل شرطة في البلد. والناس ودودة مؤدبة في كل مكان. ولا زمور قاتلاً كما في بيروت والقاهرة وكراتشي وحيدر اباد. ولا تدافع كأنما الساعة قد حانت. ولا صراخ ولا زعيق. والناس تبتسم لأنها مرتاحة. وتضحك لك لأنها لا تعاني من انهيار عصبي. صحيح هناك رطوبة زائدة وليس هناك جبل ونسائم عليلة، ولكن ماذا تريد ان افعل؟ ان الله تعالى لا يكملها لا مع البشر ولا مع البلدان. ولو اعطيت دبي مناخ لبنان لكان عدد سكانها اليوم عدد سكان الهند. وباقامات شرعية ايضاً. ولولا شتاء كندا الطويل لكان تعدادها تعداد الصين.

لقد انتهى عملي في دبي، لكنني في كل مرة اجد ذريعة للعودة فإنني لن اتردد لحظة واحدة. ولا تمضي فترة قصيرة الا وتزداد اسبابي. وقد بدأت بالقول انني تركت في الوقت الخطأ، لأنني ما أن عدت الى بيروت، حتى جاء للاقامة في دبي حمدي قنديل وزوجته النجمة نجلاء فتحي. وقد انتقل السيد «رئيس التحرير» من التلفزيون المصري الى «دريم» والآن الى تلفزيون دبي. ولا شك ان حمدي هو المكسب الاول في النهضة التي تسعى اليها قناة دبي. وقد كنت دائماً ابحث عنه وعن برنامجه سعياً خلف اضاءات افيد منها في البحث الصحافي اليومي. وذات مرة قال لي عامل مصري في محطة بنزين انه يرتاح الى اثنين على التلفزيون، حمدي قنديل والمحبَّر. ورويت القصة لزوجتي. وقلت لها من الآن فصاعداً لا بدّ من خرزة زرقاء. الناس تضعني الى جانب حمدي قنديل. ان يترك المرء دبي في الوقت الذي يصل فيه اليها حمدي قنديل ونجلاء فتحي، يبدو نوعاً من «مقلب» كما يقول المصريون. ولكن هذه هي دبي. لا تدري من يصل اليها غداً. انها اشبه بمركز تجمع للناجحين من العرب. وخصوصاً للطيبين منهم.