مشكلة البنطلون في العرس الميمون

TT

التراث مثل الربو، شيء لا يمكن التخلص منه. والدشداشة، عندي جزء من هذا التراث. فرغم انني لم ألبس اي دشداشة منذ ايام طفولتي واعتدت على البنطلون والبيجاما، فالظاهر ان البنطلون بقي غريبا عليّ، أو بالأحرى بقيت انا غريبا عليه. فهو لا ينفك يوقعني في شتى المشاكل والمقالب، وأولها مشكلة السحاب (أو ما نسميه في العراق بالزنجيل) الذي انسى سحبه باستمرار فأترك بنطلوني مفتوحا من الامام. اجلس في القطار أو المقهى والناس تتفرج على لباسي.

ولا انتبه لانفتاح بنطلوني الا بعد ان الاحظ انظار الآخرين متجهة الى وسطي. وقعت في ازمة شنيعة عندما كنت ألقي محاضرة سياسية عن فساد القيادات الفلسطينية. وشعرت ببرودة في حضني فتصورت انني نسيت سحب السحاب. راح العرق يتصبب من جبيني قلقا ولم اعرف ماذا افعل. الحمد لله اكتشفت بعد انتهاء المحاضرة ان الامر لم يكن كذلك. كل شيء كان حسب الاصول. كل ما هنالك انني شعرت بالقشعريرة بسبب التفكير في فساد القيادات الفلسطينية والسحاب بريء منها.

هذه مشكلة مستديمة معي الى درجة جعلتني اكلف أم نايل بمراقبتها. كل الناس الآخرين تسألهم زوجاتهم عند خروجهم من البيت، ما نسيت محفظتك؟ ما نسيت كلاشنكوفك؟ ما نسيت نظاراتك؟ ما نسيت اسنانك؟ الا انا. زوجتي تسألني ما نسيت السحاب؟

مشكلة السحاب أسهل بكثير من مشكلة الحزام. فكثيرا ما أنسى أو اتغاضى عن شد السروال بالحزام. ولعل القراء يتذكرون ما رويته عن سفريتي للكويت، وكيف دخلت الطائرة فنزل سروالي بسبب ذلك ووقع كاشفا عن عورتي.

ولم استطع ان استر على نفسي بالسرعة الكافية بسبب كل الحقائب التي كنت احملها بيدي.

تعرضت لهذه المشكلة قبل ايام عندما حضرت حفلة عرس الدكتور محمد الربيعي والمهندسة العراقية شهد الجنابي. كانت حفلة عامرة حضرها جمع من شتى الاجناس والاقوام حتى ـ كما قال المتنبي ـ لو سار فيها سليمان لسار بترجمان. كانت العروس الفاضلة والفاتنة في بدلة عرس بيضاء ولكن من سترة وبنطلون. ما أن رأيتها كذلك حتى خطر لي ان اسألها هل تواجه النساء ايضا المشاكل التي عشتها طيلة حياتي بشأن السحاب والحزام ويسقط البنطلون عنهن مثلا؟

لم يترك الاقارب والاحباب الذين احاطوا بها فرصة لألقي عليها بسؤالي. وقد انغمر الضيوف بالرقص والهز، الغربي منه والشرقي، الدبكة والحسكة والهجع. والمطرب المبدع جمال البغدادي يهز بأغانيه العربية والكردية والفارسية، لكنه ظل يلح عليّ بأن أشارك في الرقص. «ابو نايل هذي اغنية رقص اغنيها خصوصا لك على ان ترقص معنا».

اخذته جانبا لأهمس بأذنه وأقول: «عزيزي جمال، انت ما تعرف مشكلتي، الا تراني اتناول وامسك كل شيء بيد واحدة؟ هذا لاستعمل اليد الأخرى في مسك بنطلوني خوفا من سقوطه. هذا البنطلون الاحمر جديد واكبر من مقاسي ونسيت ان اشده بالحزام. تريدني يعني انط وارقص وأخلي البنطلون يوقع واكشف عورتي قدام العروس في ليلة عرسها؟».

قال: «انا اعيرك حزامي».

ـ «واذا وقع سروالك انت، لما تصعد صوتك بالدشت؟».

آه! كم أتمنى لو أعود الى لبس الدشداشة. ولكن هؤلاء الاسلامجية طلعوها من عيني.