محاكمة في وسط الشارع!

TT

منظر بشع ذلك الذي اقتيد فيه الرجل الى ساحة عامة في بلدة قباطية الفلسطينية حيث جرت محاكمته كالتالي، «صاح احد المقاومين، متوجها في حديثه الى الجمهور، «ان هذا الشخص كما تعرفون، سرّب معلومات لاسرائيل حول اماكن وجود مقاتلينا.. فماذا يكون الحكم عليه؟»، فصاح الجمهور صيحة رجل واحد «الإعدام». وبعدها بثوان اعدموه وسط هتافات الجمهور صغارا وكبارا». هذا ما رواه مراسل وكالة انباء كان شاهدا وصور ما حدث.

خلال دقائق نصب مسلحون محكمة واعتمدوا الجمهور قضاة ونفذوا في المتهم حكم الاعدام، هكذا بكل استرخاص لحياة انسان، وباحتقار شديد للعدالة، وبلا مبالاة لشرعية السلطة ومحاكمها. القاضي والجلاد جمال ابو الرب، احد القادة المحليين لكتائب الاقصى يبرر خرقه للقانون بانه كان من الضروري ان يجعل المتهم عبرة للاخرين لردعهم عن التعاون مع اسرائيل!

الأكيد انها ليست عبرة، ولا عقوبة رادعة، بل تخويف للأهالي وفرض لنظام العصابات بما يعنيه من إشاعة للفوضى وضرب للسلطتين القضائية والتنفيذية. ان عدد الذين قتلتهم هذه المليشيات، وتفاخر بسجلها السيئ، اكثر من ثلاثين فلسطينيا، بلا محاكمات عادلة او احترام لنظام الدولة الفلسطينية. هذا يملي على الفلسطينيين ان يقفوا ضد الفوضى التي تقودها الميلشيات من داخلهم، مهما تذرعت بالوطنية وبمقاتلة العدو. يجب الا يسمح لها ان تكون سلطة تقيم المحاكم في الشوارع وتوجه الاتهام وتنفيذ القصاص.

ما ادعاه جلاد قباطية من أن الرجل تعاون مع العدو تهمة في غاية الخطورة وعليه اثباتها في محكمة قانونية لا ان يسال جمهورا في الشارع ليقرر بنفسه ان المتهم مذنب ويجب قتله في ثوان، خاصة اننا نعلم عن شيوع الخصومات الشخصية واضفاء تهم سياسية عليها، ايضا المبالغة في الشكوك في وقت المصادمات. والسؤال: اين هي السلطة عن هذه التصرفات الفردية الخطيرة؟ وزير الحكم المحلي جمال الشوبكي يريد ان تكون المحاسبة من خلال القنوات الشرعية ويعارض أي فلسطيني «يتصرف على نحو غير ذلك» لكنه لا يقوم بشيء لضمان ذلك. لم يلم الفاعلين ولم يطلب اعتقال القتلة. كل ما يقوله ان الاحتلال الاسرائيلي مسؤول عن الفوضى، وهذا عذر غير مقنع. ان توجيه التحذيرات للمليشيات وتوثيق الجرائم واصدار مذكرات بحق الفاعلين، حتى لو عجزت السلطة عن تطبيق القانون او جلب المتهمين، تثبت انها ترفض ما يحدث وانه سيأتي يوم تحاسب المخالفين على جرائمهم. اما سكوت السلطة على مثل هذه الانتهاكات الخطيرة فيعطي انطباعا بان السلطة الفلسطينية تبارك الفوضى، وتحمي المجرمين، وليست كفؤا لادارة البلاد.

[email protected]