واشنطن ستكلف الإبراهيمي بالوساطة مع إيران

TT

من شعار «انه الاقتصاد يا غبي» الى شعار «انه العراق يا غبي»، فالعراق سيكون العامل الذي يقرر فوز الرئيس الاميركي المقبل في سباق متقارب في شدته وتنافسه ما بين جورج دبليو بوش الجمهوري وجون كيري الديمقراطي. فاذا تحسن الوضع في العراق تتحسن معه حظوظ بوش للفوز، لكن اذا بقي عما هو عليه او تدهور فان الرئيس الحالي سيسير على خطى والده في دورة رئاسية واحدة، واذا كان والده اعتمد على انتصاره على العراق بعد ان حرر الكويت من قوات صدام حسين وأهمل الوضع الداخلي الاميركي، وانتهى بالتالي الى الخسارة، سيكون العراق مجددا السبب الحاسم في مغادرة بوش الابن البيت الابيض.

ويؤكد مصدر اميركي مطلع، ان الاوضاع في العراق تقض مضجع الادارة الاميركية، خصوصا بعدما بدأت شعبية بوش في الاستفتاءات تنهار. اذ صار الرأي العام الاميركي يعتبر الرئيس إما كذب او لم يقل كل الحقيقة او انه خُدع، وفي كل الحالات هذا ليس في مصلحته. ويضيف المصدر، اذا سقط 200 جندي اميركي في العراق من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، فان بوش خاسر لا محالة.

عندما بدأ الرأي العام الاميركي يهتز من تزايد عدد قتلى الجنود وصدمته مشاهد العنف التي تنقلها اليه شاشات التلفزيون، لجأت الادارة الى مندوب الامم المتحدة الى افغانستان الاخضر الابراهيمي ليساعد في العراق، وعندما ذهب هذا الاخير للقاء الرئيس بوش في البيت الابيض، سأله: ماذا تريد؟ فكان رد بوش: كل ما تريده.

في تلك الاثناء كانت مصداقية الرئيس بدأت تعاني، اذ ثبت ان كل ما اعتقدته الادارة قبل الحرب، عن العراق، كان خاطئاً.

لكن الرئيس الملاحق بانخفاض شعبيته، استغل الاحتفال بيوم الاستقلال الاميركي ليقول في تشارلستون عاصمة ويست فيرجينيا ان الحرية الاميركية يمكن ان تغير العالم وان «المهمة الاساسية في جبهات المعارك كما في افغانستان والعراق واماكن اخرى، هي في اعتقال او قتل الارهابيين، كي لا نواجههم هنا في الداخل».

بعد تسليم السلطة الى العراقيين، تريد ادارة بوش قطف الثمار انما داخل الولايات المتحدة، واذا مالت الاوضاع الى التحسن عراقيا، فلن تبدو الادارة مترددة، بل ستظهر على انها قادرة على التأقلم مع التغييرات العراقية وحتى ادخال تعديلات تكتيكية على الارض، وهذا سيساعد الرئيس على مواجهة غريمه الديمقراطي جون كيري، اما اذا استمر الوضع داخل العراق في التدهور واثر ذلك اقليميا ودوليا، فان الادارة ستبدو من دون بوصلة تحدد لها الاتجاهات العراقية، والاخطر اذا توتر الوضع العراقي اكثر، فقد يضطر رئيس الوزراء اياد علاوي الى طلب انقاذ حكومته الانتقالية من التفكك، فتبوء كل محاولات بوش، بأن السيادة عادت الى العراقيين، بالفشل. من هنا، تتمنى ادارة بوش ان ترى تحسنا في الاشهر المقبلة، حتى اذا ما عاد بوش الى البيت الابيض يستطيع عندها مواجهة المشاكل الاخرى.

وقد بدأت المشاكل الاخرى تطل برأسها بشكل دفع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الى الاشارة بالاسم اتجاهها. وقال في تصريحات نهاية الاسبوع، ان ايران وسورية ترسلان المقاتلين والارهابيين الى العراق، وانهما ترفضان مراقبة الحدود لمنع ذلك، لا بل ان سورية تطلب اثباتات على تدفق المقاتلين عبر حدودها!

بعده، طلب رئيس الوزراء اياد علاوي من ايران وسورية ألا ترفضان وجود القوات الدولية في العراق.

المصدر الاميركي يتوقع ان يتم تكليف الاخضر الابراهيمي بالتوسط لدى ايران، لأنه وبعد الاعتقادات الاولية الخاطئة، تبين لواشنطن انها لا تستطيع ان تنقل الحكم في العراق الى الشيعة بشكل مطلق، وتتجاهل السنة والاكراد. ويضيف محدثي، ان المشاكل التي تواجهها واشنطن مع الاطراف العراقية، هي ان الاكراد لا يريدون حكومة مركزية قوية في بغداد، ويصرون على الفيدرالية، في حين ان الشيعة يريدون الحكم برمته لأنهم يريدون ايضا نفط كركوك والموصل، فنفط الجنوب لا يكفي لحكومة قوية، اما السنة فإنهم يملكون الارض وهم منتشرون على اكبر نسبة منها، حتى ولو كانوا لا يملكون النفط.

اما المشاكل الخارجية، التي لمح اليها رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقيان، أي ايران وسورية، فيبدو ان ايران ضخت الكثير من الاموال، اكثر من السلاح، لتبسط نفوذها عراقيا. ومنذ سقوط صدام حسين وواشنطن تكرر اتهاماتها لايران بأنها ترسل الاموال لعدد من المجموعات العراقية ـ الشيعية، وترسل عملاء استخباراتها، وتسمح للمقاتلين الغرباء بعبور اراضيها للوصول الى العراق لمقاتلة الاميركيين.

ومساء الاثنين اعلنت وزارة الداخلية العراقية القاء القبض على ايرانيين يحاولان تفجير سيارة مفخخة. وبين المعتقلين لدى الاميركيين في العراق، عدد كبير من الايرانيين، لكن هذا لا يعني ان المعتقلين الاخيرين ارسلتهما طهران، فحتى الآن لم يسمح مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي لكتائب الشهداء بعبور الحدود العراقية، وكان آية الله العظمى كاظم الحسيني الحائري، المرشد الروحي لمقتدى الصدر، قال، ان الوقت لم يحن بعد لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، ويشكو كثير من العراقيين في الجنوب من كثرة المكاتب التي افتتحها ايرانيون بحجة تقديم المساعدات الانسانية وتوفير المساعدة للحجاج الشيعة، لكونها غطاء للعملاء الايرانيين الذين ينتشرون بكثرة في الجنوب.

ويوم الاحد، ردا على تصريحات زيباري، قال الناطق باسم الخارجية الايرانية حميد رضا عاصفي، «ان طهران تريد فقط الاستقرار والامن للعراق». لكن العارفين يؤكدون ان ايران بنشرها نفوذها داخل العراق، عبر المساعدات وعبر تعاونها مع واشنطن لتجنب انتفاضة شيعية، انما تتطلع الى وصول حكومة يسيطر عليها الشيعة في العراق، الامر الذي سيساعدها لفرض نفسها كأكبر قوة في منطقة الخليج، ويقول محدثي الاميركي: «اذا كان هذا لا بد وان يحدث لاحقا، فلن يكون في ظل حكم الائمة الحاليين».

اما المشكلة الاخرى، أي سورية، فإن قانون معاقبة سورية الذي صدر في 11 ايار (مايو) الماضي، استهدف الرأي العام الاميركي وليس قلب النظام السوري. ويقول المصدر الاميركي، ان سورية وعلى الرغم من رفضها التعاون الكامل في قضيتي العراق والصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، الا ان دمشق اكدت جدارتها لواشنطن في الحرب على الارهاب بسبب تشابك مصالح الدولتين، فالنظام السوري يشارك واشنطن قلقها من الراديكالية الاسلامية المتطرفة، ويقول: «ان قطر تقوم الآن بترطيب الاجواء ما بين سورية واسرائيل، وما بين سورية والولايات المتحدة، على الاقل حتى موعد الانتخابات الاميركية»، وفي الوقت الذي تنتظر فيه دمشق اجراء اميركيا على المسار السوري ـ الاسرائيلي، فهي وبعد تسليم السلطة الى العراقيين، لا بد انها تنتظر وقت انسحاب القوات الاميركية الى قواعد آمنة داخل العراق.

وكما ان سورية تمنع الجيش اللبناني من التوجه الى الجنوب، على اساس «ان مهمته ليست حماية امن اسرائيل، فانها تفعل الشيء نفسه مع جيشها والحدود العراقية ـ السورية، ولن تقدم على أي اجراء لمنع انتقال المقاتلين الى العراق، اذ ليست مهمتها حماية امن الاميركيين فيه».

يبقى العراق العامل الحاسم في انتخابات الرئاسة الاميركية، كما انه سيبقى النقطة الجيو ـ سياسية المركزية في الشرق الاوسط لسنوات مقبلة. ولأنه من المستبعد، اذا فاز كيري ان يقرر سحب القوات الاميركية من العراق فإن الولايات المتحدة عبر قواعدها العسكرية في العراق، ستقرر وقع الاحداث في المنطقة، خصوصا بالنسبة الى سورية، وقد بدأت تشهد بعض التحركات الكردية وانشطة المعارضة، اضافة الى بدء البث عبر اذاعة «سورية الحرة»، وكذلك بالنسبة الى ايران التي ستظل تتصرف وتناور كي تفرض الاعتراف بها كلاعب اول في المنطقة، وهذا ما سيدفعها الى مواجهة مع الاميركيين. اذ، لا يعقل ان تكون اميركا خاضت حربا لقلب النظام في العراق، كي تصل طهران الى بغداد، او كما قال محدثي الاميركي، «ان تجربة حزب الله في مواجهة اسرائيل والتي دعمتها دمشق وطهران، لن يُسمح بتكرارها في العراق ضد الاميركيين او ضد الحكم العراقي الجديد»!