المدرّب

TT

لديَّ عدد من الانطباعات الشخصية عن اليونان واليونانيين، لم يطرأ ما يغيّر فيها. فاليونانيون قوم (دعك من خرافة زوربا واستهلاكها) يحبون الرقص والسهر وتحطيم الصحون في آخر الليل. ويحبون البوزوكي (العود) والسفن والسمك. ويكرهون كل شيء آخر. وخلال زيارة الى اثينا في السبعينات قال لي سفير لبنان ان اليونان هو البلد الوحيد في العالم الذي اصدر قانونا يمنع الضجيج في ساعات القيلولة. رجاء. اليونان تنام.

عندما انضمت اليونان الى الوحدة الاوروبية شعرت بعطف شديد على سائر الاوروبيين: كسر الصحون. التعالي. الجزر التي لا نهاية لها. رائحة السمك المقلي في «البيريوس». المازوت في ساحة «الدستور». وكسر الصحون. والمقاهي التي تودع فوجا وتستقبل آخر. الا طبعا المداومين، من اول النهار الى آخر الليل.

معلوماتي في الرياضة، كما اقررت غير مرة، مثل معلوماتي في الرياضيات. لكن في الدورات العالمية اتحول الى انسان آخر: اشاهد كثيرا من المباريات. واتحمس لبعض الفرق. واحدّث في الامر عند الضرورة. وفي كأس اوروبا هذا العام، راهنت مع المجموع على بريطانيا والمانيا وفرنسا، وعقدت رهانا خاصا مع نفسي على تشيكيا. قلت لنفسي، يا حبي، هؤلاء بقايا التنظيم الشيوعي واللياقة البدنية الكبرى، وقد اضيف اليها الآن مدربون غربيون. وبالفعل صمد التشيكيون ثم خرجوا. وخطر لي كل خاطر في الارض الا اليونانيون. معقول؟ وحتى مساء الاحد كنت لا ازال آمل ان يريحني البرتغاليون من هذا الهم. وما فعلوا.

ما السر؟ عندما يحدث واقرأ اخبارا رياضية، مرتين او ثلاثا كل عقد، اقرأها في «الموند». واعرف ان مثل هذا الكلام يزعج الآلاف من الناس. واعرف ان الرياضة الآن هي شغف العصر، لكن للاسف انتمي الى عصر آخر. وهذا يجعلني كائنا غريبا حتى في قلب بيتي. ولكن ان يربح اليونانيون كأس اوروبا، فهذا لا يحتاج الى تحليل رياضي بل الى تحليل انثروبولوجي.

كيف يربح كسارو الصحون وعازفو «البوزوكي» ونوامّو النهار وسهّار «البلاكا» وكسالى مقاهي ساحة الدستور، في رياضة تحتاج الى كل هذه الطاقة البدنية والذكاء اللمّاح والعين المفتوحة؟

لعلهم استوردوا فريقا كاملا ومنحوه الجنسية واعطوا اللاعبين اسماء من نوع يورغو وكوستا وباتاكيس. فهذه مسألة شائعة جدا الآن في عالم الرياضة. وروى لي صديق انه يعرف لاعبا من افريقيا يدعى بامباشي اوكو بودنغا. لكنه لم يكن يعرف ان فريقا عربيا قد اشتراه. فلما صادفه في احد شوارع بيروت حياه قائلا: كيف الحال يا عزيزي بودنغا؟ فرّد بودنغا قائلا: ارجوك. احفظ كلامك. انا الآن ادعى عبد الودود. وهجأها له.

تقول «الموند» ان الفريق اليوناني، كوستا ونيكوس وبابادوبلوس وكيرياكوس، رزقوا مدربا المانيا يدعى اوتو ريهاغيل، في الخامسة والستين من العمر وفيه شبه من هملر. وقال الهر اوتو لليونانيين: النوم 11.30 مساء. القهوة ممنوعة. من يكسر صحنا اكسر رأسه. الذهاب الى «البلاكا» محرّم. الفاصوليا عند الفطور ممنوعة. وصار يقوم كل يوم في السابعة صباحا ويقول لهم: الحقوني! فيجعلهم يركضون خلفه ساعتين. السّر يا عزيزي في المدرّب لا في الفريق. وفي الجهد لا في القهوة. النصر لا يأتي الى المقاهي ولو محمولا على الاكتاف. المدرّب الجيد يغير النظريات البشرية: صاحبنا يورغو يلغي قانون القيلولة وينتصر!