سباق بين الجهود السياسية ومسدس إيال عمير (الثاني)

TT

الشارع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الضيق، يشهد اكتظاظا لمتسابقين من انواع مختلفة. ويبدو المشهد كما لو انه لوحة سريالية، يتزاوج فيها الشيء ونقيضه في ذات الوقت. الجزء الإسرائيلي من المشهد:

ـ آفي ديختر، يحذر من ازدياد نزعة التطرف في اسرائيل وبلوغ المنسوب حد الخطر.

ـ الصحافة الإسرائيلية، تجمع على ان قاتل شارون وعلى طريقة قاتل رابين، قد اتخذ قراره. وعبأ الطلقات في مسدسه، وربما تكون المسألة مسألة وقت.

ـ سلفان شالوم، وزير الخارجية المتحفظ على سياسة رئيسه، يغازل العرب، الذين تربى بينهم، ويطلب من العالم الضغط على الفلسطينيين بلقمة العيش.

ـ اما اريئيل شارون، سيد اللعبة الخطرة، فما زال يواصل جمع النقيضين في قبضة واحدة، صانع السلام ومشعل النار، مع نقيضين آخرين المبادر والخائف.

الجزء الفلسطيني:

ـ سباق مرير بين من يريدون اثبات ان القتال وحده من ارغم شارون على الانسحاب من غزة، وبين الدبلوماسية التي ترى الدخول في آليات الحل هو المنقذ الوحيد لما تبقى من الآمال الفلسطينية.

ـ وحركة فتح، تشتعل بجدل قوي، حول واقعها وخياراتها، ومحور الجدل الرئيس، هو هل يبقى القديم على قدمه، ام تقتحم تجربة التجديد، بكل مضاعفاتها وأثمانها؟

ـ السلطة الفلسطينية، تصارع بإمكانات ضعيفة، أنواعا شديدة من الضغوط، اي انها واقعة في دائرة النيران الصديقة والمعادية على السواء، ومطلوب منها ان تحسم أمر الاصلاحات عبر الإجراءات في اقرب وقت ممكن، أي أياما وليس اسابيع.

وبين عناوين المشهدين الفلسطيني والاسرائيلي، تنهض آلاف الاسئلة والتفاصيل، وكلها الآن ـ بين يدي طرف ثالث، مطلوب منه حل العقد، ووضع الأرجل المترددة، على طريق من الرمال المتحركة.

ومع كل التعقيدات الفلسطينية والاسرائيلية، يحاول الطرف الثالث، ممثلا بأميركا والرباعية ومصر، توسيع مساحة حركته اولا، بتطويق دائرة النار (وهذا احدى الاجتهادات المصرية)، عبر العودة الى فكرة الهدنة، وصياغة معادلة جديدة، توفر مناخا مواتيا لانطلاقة سياسية حذرة. وثانيا، باستغلال خطة شارون وإدخالها إلى مفاعل خطة خريطة الطريق، مع رهان على دوران العجلة من اجل احتمال ولادة آليات جديدة، بفعل الحركة والابتعاد عن الجمود ليس الا.

وحين يكون الاكتظاظ على هذا النحو، والسباق في مساحات الزمان والمكان الضيقة محموما بهذا القدر، فبوسعنا ان نرى الفرصة شديدة المنطقية والوضوح، وان نرى في ذات الوقت وبذات القدر، امكانيات تقويضها، وقد لا يحتاج الأمر الى اكثر من مسدس ايال عامير جديد، ليقلب المعادلة في اسرائيل والمنطقة رأسا على عقب، من دون ان يعرف احد صورة التداعيات المقبلة.

وبصرف النظر، عن مصداقية الخوف المعلن عنه في اسرائيل وما اذا كان من اجل تقوية الاوراق، ومضاعفة الدعم الداخلي والخارجي لشارون، الا ان ما اضحى حقيقة واقعة لا جدال فيها، هو ان السباق يحتدم كل يوم، وان الجهود الدبلوماسية مثل العسكرية، تندفع نحو اهداف تبدو قريبة وبعيدة في ذات الوقت.

وبلوغ الأمور هذا الحد، من الازدواجية، واجتماع التناقضات في مسار واحد، لا بد ان يصل الى محصلة سياسية، حيث يستحيل على الجميع التعايش طويل الأمد مع هذا الوضع، وما الرعب الاسرائيلي من ظهور مسدس آخر الا تعبير عن الحاجة الى حل.. والسؤال هو: اي حل محتمل في هذا السياق؟

عندما يجري الحديث عن حل محتمل، فلا مناص بحكم أحجام القوى من تركيز النظرعلى الدائرة الاسرائيلية، فبين قواها يكمن الحل او التعقيد، وهنا بالضبط يكمن الخطر كذلك.

فحين يشعر شارون بالخوف، (وبالمناسبة فهو يعيش في ظل هذا الشعور منذ اعلانه الاستعداد للانسحاب من غزة وإخلاء المستوطنات)، فإن تأثير الخوف إما ان يدفعه الى مبادرات اكثر جدية وسرعة في المضي قدما على مسار الحل، او يدفعه الى مضاعفة الحذر وإبطاء الحركة، مما قد يؤدي الى انهاء خطته قبل ان تبدأ. وبقراءة محايدة للطريقة التي يعتمدها شارون للخروج من المآزق والأزمات، فإنه مرشح للإقدام على الخيار الثاني، اي مضاعفة الحذر وإبطاء الحركة. وهذا ما يجعل خطته التي اصبحت برنامج عمل العالم كله موضع تساؤل كبير.

هنا، وعلى نحو منطقي وموضوعي، تسنح فرصة للطرف الثالث.. كي يساعد على فتح الأبواب باتجاه الحل، وقد يكون التنشيط الأميركي لدور الرباعية والتشجيع الجماعي لدور مصر، نوعا من الحركة الجدية في هذا الاتجاه.

يتعين علينا ونحن نراقب هذه اللوحة وهذا السباق المرير والمحموم في مساحات الزمان والمكان الضيق، ان نواصل المراقبة، وأن ننتظر معطيات الأسابيع القليلة المقبلة، لنرى بعض النتائج الأولية لهذا النوع الجهنمي من السباق، فلكي نعرف المسار الفعلي للحركة السياسية، لا بد ان نرى الاستحقاقات المطلوبة كيف تؤدى، وماذا سيضع ياسر عرفات في جعبة الطرف الثالث من قرارات وإجراءات مطلوبة بإلحاح، وكيف سيستقبل الاسرائيليون ما سيحمله المصريون، والى اي مدى يكون مسدس إيال عامير الثاني حقيقيا، ام لمجرد تحسين شرط الاثارة في اللعبة المعقدة!

مقدمات الاجوبة عن كل هذه الاسئلة، قد تظهر في سياق الجولة المقبلة لعمر سليمان، وقد يتأجل ظهورها بحكم هشاشة وحساسية اوضاع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، حيث يواصل مؤشر الخطر تصاعده في زمن الموسم الانتخابي الأميركي، الذي يغري اسرائيل بالانتظار والابتزاز، وتجميع الاوراق من دون تعهدات مقابلة.

* وزير فلسطيني سابق