دون سائر العالمين

TT

كتب لي أحدهم قائلاً باللهجة الدارجة بما معناه: تراك مسختها ـ او (مصختها) ـ من كثرة ما تتكلم عن نفسك، وتضرب بها الامثال، وتذكر الحوادث التي مرّت عليها، وكأننا لا شغلة ولا مشغلة عندنا غيرك أنت ونفسك (وكاني ماني).

الواقع أن رسالة ذلك (الأحد)، ارجعتني قليلاً (القهقرى)، وجعلتني فعلاً أعيد حساباتي، وأراجع دفاتري، وأعد أيامي، وأتأمل ملامحي، وأتكلم بصوت خفيض بيني وبين نفسي، وأسأل: هل أنا فعلاً زودتها (حبتين)؟!

واكتشفت يا للهول: انني زودتها ثلاث حبّات ـ على الأقل ـ وليس (حبتين) فقط مثلما قال صاحب الرسالة.

أما عن (كاني ماني) فإنني الى الآن لم اهضمها، ويمكن بعد يوم او يومين سوف يقدرني المولى عز وجل على ان أحل ألغازها ومن ثم اهضمها هضماً جيداً، وعليه سوف أكون جاهزاً للمحاكمة العلنية مثلما هو (صدام حسين).. والفرق بيني وبينه هو المقابر الجماعية، والغازات السامة التي داعب فيها بكل براءة وشفافية سكان (حلبجة)، كما انني ارفض ان تكون أي ماجدة من ماجدات العراق (بعشرة دنانير) فقط، وانما اعطيهن بكل صدق (ماء عيوني) البيضاء منها والزرقاء كذلك، وسوف أسكنهن المقام العالي من صدري الممتلئ بالانفعالات العاطفية.

والكتابة عموماً لها عدّة طرق وأساليب واتجاهات، ولكل كاتب (بصمته) وشخصيته وملامحه التي لا يستطيع ان يغيرها سوى بعملية تجميل او تزييف او تقليد او اكاذيب، وأنا بطبعي اكره العمليات برمتها، ولا اقبلها حتى لو كان وجهي طبق الأصل من وجه (دراكولا) ـ مع انه في الواقع لا يبتعد كثيراً عن ذلك، خصوصاً من ناحية الضروس والأنياب الأمامية.

وعندما اقول انني لا ازيف او اقلد أو اكذب، فهذا يدل في واقع الامر على ضعفي لا قوتي، ويا ليتني استطيع ان أفعل ذلك.. لكي اتحول امام الناس جميعاً الى (ديك رومي) منفوش.

انني عندما اضرب الامثال في نفسي علنا.. واحكي ما مر عليّ في حياتي (المهببة)، وما قابلته من البشر وأنصاف البشر، وما اوجعني، او ارقني، او اضحكني، او دوخني، او جعل من قلبي مجرد فأر صعلوك في مصيدة ليس لها باب ولا حارس.

كل هذا الذي احكيه ما هو الاّ (لوعة وشكوى) اطرحها امام الجميع بكل تهذيب وصفاقة، لا اطلب الغفران ولا الانصاف ولا التقدير من أحد.. كل ما اطلبه من الناس أن يتركوني وشأني لكي أعذب نفسي واسعدها بطرق غير مألوفة، واصوغها صياغة من كانت النيران والحرائق هي وسيلته وأداته الوحيدة.

فأنا الوحيد في هذه الدنيا اللطيفة، الذي (يمون) على نفسه، وأنا الوحيد القادر على فضحها، والتهكم عليها.. وهي الوحيدة التي لا تستسلم الاّ مكرهة بعد ان أمرغ وجهها بالتراب، وهي الوحيدة التي تنام معي واضعة خدها على خدي، واذا بكينا فدمعتنا واحدة، واذا ضحكنا تكون الشمس لنا وحدنا دون سائر العالمين.