أدبيات السيارات (1 ـ 2)

TT

قد يستغرب القارئ ان يكون للسيارات ادبها وشعرها ولسانها المعبر عنها، ولكن هذا ما حصل منذ عدة سنين. كان الادباء يصوغون حكمياتهم بالأمس على لسان الحيوانات مثل كليلة ودمنة. ولكن الآن يجري شيء مشابه على لسان السيارات. الحمد لله ان هذه العادة الغريبة لم تنتقل الينا بعد، والا لامتلأت سجوننا بأصحاب السيارات وسواقها، فأدبيات السيارات تمتاز بالتحدي والسخرية والعبارات الظريفة المارقة، وغالبا البذيئة.

يتم ذلك بالبطاقات والملصقات التي تلصق على الشباك الخلفي من السيارة بحيث يقرأها ركاب السيارة اللاحقة لها. تحمل اكثر هذه البطاقات الملصقة عبارات ذات مدلول مجازي جنسي يثير في القارئ شعورا بالضحك والدعابة، ولكن بعضها يؤدي خدمة عملية. فنحن جميعا نتضايق من السيارة التي وراءنا ولا تنقطع عن التزمير لنا لأي سبب كان. كثيرا ما أدى هذا الى مشاجرات واحيانا مشاجرات دموية. تحاشى بعض الظرفاء ذلك بلصق بطاقة وراء سيارتهم بحيث يقرأ الرجل أو المرأة التي تسوق سيارتها وراءهم العبارة المكتوبة عليها: «اذا زنيت ليلة أمس فزمري».

وعمدت احدى شركات السيارات اليابانية للترويج لسياراتها الرياضية برسم صورة كركدن يواقع كركدنة على مؤخرة السيارة كناية عن قوتها.

وكما نتوقع استعملت المنظمات السياسية ادبيات السيارات للتبشير ببرامجها والتشهير باخطاء خصومها. الشعار الشهير بهذا الصدد كانت كلمات هارولد مكملان: «لم تنعم بمثل هذا من قبل». تذكر بها من هو وراءك بنعمة السيارة التي يسوقها. وعندما كثرت الاضرابات وتدهورت الاحوال الاقتصادية في زمن حكومة هارولد ولسن العمالية، لصق المحافظون على مؤخرة سياراتهم البطاقات التي وزعوها بالملايين لتهز تفكير السائق وهو جائع متعب وسط الزحام وتوقف السير وانتشار الاضراب، تقول له: «لا تلمني! انا اعطيت صوتي للمحافظين».

وقد شاع هذا الشعار في طول البلاد وعرضها واصبح على كل لسان بما هد اعصاب حزب العمال. وعندما حل أجل الانتخابات في عهد ادوارد هيث حاول هؤلاء اعادة الحياة لهذا الشعار بتحويره الى: «لا تلمني انا اعطيت صوتي للعمال». ولكن المحاولة كانت فاشلة فبطاقات السيارات كالسيارات، بل قل كالحضارات، لها حياة واحدة ولا شيء يفسد البلاغة كالتكرار.

لهذه البطاقات وظيفة اجتماعية مفيدة فهي تمتع سواق السيارات اثناء الانتظار والزحام وتخفف عن اعصابهم. فالشرط الاساسي لهذه البطاقات ان تكون ظريفة أو مضحكة أو ساخرة. يمكن كتابة اي شيء وفي اي موضوع على ان تكون الكلمة موجزة بحيث يستطيع السائق الذي خلفك ان يقرأها بسهولة اثناء توقفه أو مروره.

في السبعينات شاعت البطاقة التي وزعتها شركة شل على اصحاب السيارات ليلصقوها على سياراتهم. كانت تقول: «عندي نمر في صهريج الوقود. عندي شل». ويظهر ان شركة منافسة راحت تسخر منها فوزعت بطاقات تقول: «عندي فأر في صهريج الوقود».