نافورة الأميرة الباطنية

TT

عطشان يا صبايا دلوني على نافورة ديانا، أم هل اصحح واسأل: بل عن ساقيتها، فالحوار خلال هذا الصيف بين أهل لندن وزوارهم سوف يتركز على سؤال: هل هي نافورة أم ساقية تلك التي أقاموها لذكرى أميرة ويلز في حديقة كنزنجتون؟

ومع الساقية / النافورة صدر كتاب عن الاميرة الراحلة بقلم مؤلفها الدائم أندرو مورتون بعنوان يذكر بالروايات الرومانسية الساذجة التي شاعت في القرن التاسع عشر «ديانا في مطاردة الحب»، ولا شك ان قراءة النافورة أجدى من قراءة الكتاب، فمورتون لم يعد عنده ما يقوله عن الاميرة بعد أربع كتب عنها.

وعلى سيرة ديانا والحب لنعترف ان بعض الشخصيات تحبها السماء كحب أهل الارض لها، ولعل ديانا منهم فقد أشرقت الشمس يوم افتتاح نصبها المائي فكان السادس من يوليو / تموز استراحة لندنية بين عاصفتين اعطيت للناس ليشاركوا ويتفرجوا من دون عواصف على ذلك النصب الذي طال انتظاره.

ولقد رأيت النصب قبل الافتتاح الرسمي وتأملته صاعدا نازلا لافا متئدا ومستعجلا، وفي كل مرة كان ذلك النصب المائي يحير ويزداد غموضا اكثر من تبرعه باعطاء أجوبة مفهومة، وهذا الموقف بحد ذاته يغلب وجهة نظر المصممة كاترين التي ارادت ان يكون نصب ديانا مثلها جميلا متدفقا ولكنه غامض ينطوي ككل جمال على الكثير من الألغاز والاسرار وخصوصا مع شخصية غنوصية مثل ديانا التي كانت توحي رغم ابتسامتها البريئة بحياة باطنية سرية يصعب سبرها.

ان تسمية نافورة لا تنطبق على ذلك النصب، ولا تسمية ساقية، ولعل اسم سبيل هو الاقرب، لكنهم هنا لا يعرفون الأسبلة وهي من أجمل ما عرفت الثقافة الاسلامية من مبادرات حيث كان المحسنون يوقفون الاموال في حياتهم وبعد مماتهم لنصب مائية ليشرب منها الناس ويغتسلوا ويتبردوا.

والنصب لمن لم يره بعد على شكل بيضاوي يخترقه جسر صغير ليمكن الزائر من دخول الدائرة، ولا شك ان شكلا كهذا يغري بالتفسيرات الجنسية التي سنسمع الكثير منها، فالغوض في التفسيرات لا يكتمل من دون اسرار واشارات لا احد يستطيع الزعم انها غابت عن ذهن المصممة وهي تفكر بديانا وعواطفها ومآسيها وبحثها الدائم عن الحب في مؤسسة الزوجية وخارجها.

ويلف الشكل البيضاوي كساقية من الجرانيت الابيض المرتفع عن الارض قليلا ليتبدل جريان الماء من جزء الى آخر، فهناك مناطق صاخبة سريعة تنحدر بعنف وصخب، وهناك أقسام من النافورة / الساقية وعرة وبها نتوءات ويكاد يجف الماء فيها قبل ان يتحول ثانية الى شلالات تصب في بحيرة صغيرة هادئة هي بركة السلام الاخيرة، وفي الاقسام جميعها أضواء تحت الماء تلائم المناخ النفسي لكل مرحلة.

ويفترض بالنتوءات والعقبات التي تعترض الماء في ساقية ديانا ان تمثل الاوقات الصعبة الحرجة التي مرت بها تلك الاميرة التي كان عندها وبيدها ان تكون أسعد نساء الارض، فما من شيء كان ينقصها غير الحب، ويبدو انه حين ينقصنا الحب فهذا يعني انه لا شيء عندنا، وإلا بماذا نفسر شقاء تلك المرأة التي أحبها الملايين في الدائرة الكبرى، لكنها في دائرتها الصغرى كانت تنتقل من فشل الى آخر ومن تراجيديا الى مأساة ما بين ضابط نذل يبيع رسائلها، وطبيب باكستاني لا يمتلك الجرأة على حب مثلها، ورياضي تشرشحها زوجته السليطة، ورابعهم دودي رفيقها الأخير في نفقها.

جميل ان يتذكر الناس ديانا بين عشب وماء، فقد كانت تعشق المياه العذبة ومثلها كانت تسير لتروي الضفتين وتزينهما بالخضرة قبل ان تنتحر في محيط الملوحة البعيد حيث السلام والسكينة.