فرصة وقضية

TT

تفاعل المجتمع السعودي بطرق مختلفة مع قضية المذيعة التلفزيونية رانيا الباز التي تعرضت لاعتداء مبرح من زوجها ودخلت بسببه المستشفى بعد تعرضها لإصابات بليغة. فمنهم من تعاطف وأبدى التجاوب ومنهم من استغرب الاهتمام الزائد بهذه القضية ومنهم من اعترض على إثارة الأمر بهذا الشأن واعتبار كل الموضوع شأنا خاصا لا علاقة لأحد به، ومجموعة أخرى آثرت الصمت التام.

وهذه القضية التي يمكن أن يطلق عليها أنها قضية رأي عام كان من المنتظر أن تنال تفاعلا منظما ومنسقا أكثر مما لقيت بكثير. لقد كانت هذه القضية فرصة واختبارا أيضا لقدرة عناصر المجتمع المدني على تبني شأن عام والتفاعل معه وطرح القضية على العامة والتواصل مع ولاة الأمر وصانعي القرار لصياغة موقف نظامي يحد من هذه الظاهرة البشعة ويجرم بالتالي تكرارها مستقبلا.

كان الأمل أن يحدث تبنّ جاد لهذا الموضوع من قطاع المحامين في البلاد ويكون التواصل فيه جادا مع الجمعيات الخيرية النسوية فهي لديها العديد من القضايا الشبيهة، وأن يتم التواصل مع هيئة كبار العلماء والمفتي العام للبلاد لأخذ الآراء الشرعية المدعمة للتوجه المقصود وطرح الموضوع من خلال مجلس الشورى ولجانه المختصة.

هناك الكثير من العبر والدروس المستفادة التي من الممكن أن يحصل عليها المجتمع السعودي أو أطياف كثيرة منه على أي حال من خلال الطرح المسؤول والمتواصل لقضية كقضية رانيا الباز ومحاولة الاستفادة القصوى من الحدث نفسه لتحسين واصلاح وتطوير وضع عام معين والعمل على تغيير العيوب وتهذيب العلل التي فيه.

قضية رانيا الباز نالت الاهتمام والفضول الاعلامي العام، (وهذا صحي بحد ذاته)، لأنه لأول مرة يتم تناول قضية بتلك الحساسية بهذا الشكل المنفتح نوعا ما. سوف تكون خسارة اجتماعية هائلة وفادحة لو مرت قضية رانيا الباز من دون الاستفادة المستدامة منها، استفادة تعود بفائدة حقيقية للعامة.

هذه القضية نالت اهتماما محليا كبيرا، وكذلك كان الاهتمام العربي بها، فهي اعتبرت بمثابة نافذة يطل منها العالم العربي على المجتمع السعودي الذي ظل ولفترة طويلة مغلقا ولا يتم تناول قضاياه العامة. ونالت هذه القضية الاهتمام العالمي ايضا وتناولت الكثير من وسائل الاعلام المختلفة في أكثر من دولة هذا الموضوع.

ولكن الخبر الأهم سوف يكون كيف سينتهز ويستفيد المجتمع السعودي من تلك القضية ويكون قد استطاع أن يطور من أنظمته وقوانينه ويجد بذلك سابقة مهمة تحفزه وتعطيه الأمل في عمل جماعي واجتماعي منظم يضيئ الشموع في الظلام بدلا من اللعن والنقد والسلبية.

ويبقى التحدي الأهم والسؤال الأدق: هل لدينا القدرة والقناعة بذلك؟.