صدام والكويت

TT

بثت السلطات العراقية ثلاث دقائق من أكثر من نصف ساعة من جلسة مثول الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، أمام المحكمة العراقية قبل أيام. وبغض النظر عن سبب حجب باقي الجلسة عن الناس، وعن سبب اختيار الدقائق الثلاث الخاصة بتهمة غزو الكويت، تحديدا، من بين سبع تهم وجهت للرئيس السابق، فإن الدقائق الثلاث كشفت حقدا خاصا بصدام تجاه الكويت. فلماذا ثار صدام حسين وعاد إلى لغته الأم ـ الشتيمة والسباب حين سأله القاضي عن سبب غزوه للكويت؟

قبل أن يغزو صدام حسين الكويت عام 1990، كان قد طغى واستكبر. كان يعتقد أنه مركز الكون. وكان يستعرض جيشه الذي عد رابع جيش في العالم، أو هكذا صور له عمدا. ويقف مرتديا قبعة المافيا، ويطلق النار من بندقية البرنو. كان صدام حسين قد أعلن للعراقيين بأنه انتصر على إيران، بعد حربه الضروس التي استمرت ثمانية أعوام. وكان يستعرض الصواعق النووية أمام الكاميرات مستهزئا بالعالم، مدعيا بأنها من صنع العراقيين. وكان قد هدد إسرائيل قائلا بالحرف: «والله لنخلي النار تحرق نص إسرائيل».

وقبل غزوه للكويت بأشهر، أعدم الصحافي البريطاني فرزاد بازوفت، مراسل الأوبزرفر، بعد محاكمة عاجلة. ورفض كافة المناشدات بمحاكمة عادلة وبعفو عن الصحافي الشاب الإيراني الأصل.

كان صدام يهيمن على قرارات كثيرة في المنطقة. وكان ذا تأثير فاق تأثير الكثيرين. وكان التصويت العراقي في المحافل الدولية يعني تصويت بقية العرب في نفس الاتجاه. وكان صدام يعتقد بأنه لا رادع له، ولن يقف أحد في وجهه إذا ما احتل الكويت وحل مأزقه الاقتصادي عن طريق سلبها ونهبها. فكان احتلالها اللعنة التي طاردته حتى قضت عليه.

حين احتل صدام حسين الكويت، كان قد اتهمها ودولة الإمارات بسرقة النفط العراقي، وإغراق السوق النفطية العالمية للإضرار بالاقتصاد العراقي. ثم ادعى، بعد اجتياح الكويت، أن فيها ثورة طالبت بمساندة العراق؟ وقال بأن الثورة نجحت، وبأن الثوار طالبوا بالانضمام إلى العراق. فكان أن أعلن الكويت المحافظة التاسعة عشرة. ثم أعلن استعداده للانسحاب منها إذا ما انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية، وانسحبت سوريا من لبنان.

ورفض العالم شروط صدام. وطلب منه الانسحاب من الكويت من دون قيد أو شرط. ابى واستكبر. فكانت كارثة المائة ساعة، التي أعلن صدام أنها نصر بأم المعارك. واستمر صدام معاقبا ونظامه عقوبات دولية تشترط لرفعها تنفيذ صدام لقرارات مجلس الأمن التي انصاع لها بعد تحرير الكويت. وبقي يراوغ ويرفض تنفيذ القرارات طيلة ثلاث عشرة سنة. حتى قررت الولايات المتحدة الإطاحة بنظامه العام الماضي، انطلاقا من الكويت التي غزاها. فتهاوى نظام صدام كالرمال. وهرب القائد الضرورة، وبقي متخفيا حتى اعتقل مختبئا في جحر تحت الأرض.

لقد كان غزو الكويت بداية النهاية لصدام ونظامه. ولو لم يغزُ صدام الكويت لبقي في الحكم حتى يومنا هذا. لقد طاردت «حوبة» الكويت صدام حتى قضت عليه. ولذلك، لم يكن غريبا أن يفقد صدام أعصابه، ويدعي في المحاكمة بأنه غزا الكويت لحماية شرف العراقيات اللائي هن أمهات وأخوات وأقارب للكويتيين، وشرفهن من شرف الكويتيين. والحماية الحقيقة لكرامة العراقي ـ أنثى كان أم ذكر ـ أن يعيش العراقي حرا أمنا مستقرا في كنف دولة القانون والديمقراطية. وتلك التي حرم صدام منها العراقيين والعراقيات. وتلك كانت الإهانة الحقيقة لشرف العراق.