«وأنا كمان بحب السيما»

TT

لن نمل من الحديث والدعوة إلى وقف تدخل أو استدعاء الجهات الدينية ـ اسلامية ومسيحية ـ للقيام بدور حارس البوابة، أو الرقيب الذي يملك إجازة أو تعطيل أي عمل ابداعي. والحالة الحادثة في مصر اليوم، هي تجسيد لمخاطر ترك هذا الموضوع بلا ضبط أو حسم.

هذه الأيام تقف مجموعة من القساوسة والمحامين الأقباط، وانضم إليهم بعض المسلمين، للمطالبة بوقف عرض فيلم «بحب السيما»، وهو الفيلم الذي يتناول قصة عائلة مسيحية متزمتة تجاه أمور دينها ودنياها. انتفض عدد من المتشددين وبعض من رجال الدين الأقباط، بدعوى أن هذا الفيلم يمس العقيدة. وهذا ما نفاه العدد الأكبر من المثقفين الأقباط الذين عرض عليهم الفيلم قبل عرضه. لكن المعارضة استمرت. ووصل الأمر الآن، إلى رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المصرية، للمطالبة بمنع عرض الفيلم ـ المعروض حالياً منذ أسابيع. وبالفعل، فإنه من المتوقع استدعاء أبطال الفيلم ومخرجه ومؤلفه ـ وهما قبطيان ـ للمثول أمام النيابة للتحقيق.

أبسط ما يقال حول مثل هذا الموقف، أنه حالة من حالات العبث الذي نعيشه. واعتراف بأن هناك قوى تدفع المجتمع ككل بعيداً عن مفهوم الدولة المدنية. وذلك في اتجاه تعظيم المؤسسات الدينية وتدخلها بممثليها للعب دور الرقيب والمعلم والموجه لنا نحن أبناء المجتمع. وذلك وفقاً لرؤية وتوجه الكنيسة أو الجامع. وهذا زمن لن يكون لنا فيه مكان لو استسلمنا لمثل هذا التوجه، وانقدنا وراء ذلك الصوت المقبل من داخل مؤسسات تريد أن تحتكر وحدها ورجالها الحقيقة المطلقة.

لن أعتمد كثيراً على ما قاله الكثيرون، من أن الذين يقودون هذه الحملة الآن لم يشاهدوا أصلاً الفيلم. ولكن أشير فقط إلى أن الرغبة في التدخل، وقيادة المجتمع، ولعب دور أكبر، هو الذي يقود هذه المؤسسات، بمختلف توجهاتها، لممارسة مثل هذه المواقف.

نظرية ملء الفراغ هي الصالحة للتطبيق هنا. لأن الفراغ الذي ينجم عن غياب الدولة بمؤسساتها، وعدم القيام بدورها الداعم لحرية الفكر والابداع، والفراغ الناجم عن غياب المثقفين الحقيقيين وانشغالهم بمعارك جانبية، هذا الفراغ هو الذي يدعو الآخرين لملئه. وهذا هو ما يحدث الآن. ولن يكون كافياً انتقاد تدخل المؤسسات الدينية في حرية الابداع. انما المطلوب الآن، أيضاً، أن يتحرك المثقفون والدولة من أجل تأكيد وترسيخ مفهوم الدولة المدنية. وهذه مناسبة لأن أوجه دعوة إلى فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر، وقداسة البابا شنودة، رأس الكنيسة القبطية، لأن يطلبا من كافة رجال الدين العودة إلى قواعدهم، والتخلي عن افتعال معارك لن تقودنا إلى الطريق الذي يؤدي بنا إلى التقدم.

اعتراف أخير، «وأنا كمان بحب السيما».

[email protected]