الإشارة الحمراء

TT

وقفت أمام إشارة المرور الحمراء بسيارتي العزيزة ـ أكيد كنت راكباً سيارتي لا دراجتي ـ ولو كنت سائراً على أقدامي لما توقفت بالطبع، والاحتمال الآخر أن أكون قد قفزت، أو زحفت، أو انبطحت، أو التويت على حالي مثلما يلتوي الثعبان، أو ما يشبه الثعبان. المهم أنني وقفت، وكنت في الواقع في منتهى الانفعال والغضب، فالدقيقة الواحدة التي أقف فيها أمام الإشارة الحمراء، كأنها سنة كاملة من المعاناة والعذاب بالنسبة لي، لأنني لا أطيق القيود الجسدية، والمعنوية، والضوئية، فربي خلقني ملولاً ومتذمراً وقرفاناً وفي نفس الوقت حنوناً يقطر العسل من بين أصابعي حينما أطبطب على كتف أحد، أو أمسك بطرف أذنه.

أعود للإشارة الحمراء التي كلما نظرت لها ازداد احمرارها و(فرصعتها) وكأنها تتحداني، وهي ذكرتني بنظرات بعض البنات القاصرات اللواتي اوتين من خفة العقل الشيء الكثير، والكثيرات منهن اوتين من السلاعة، و(دلدلة البراطم)، واختلال المقاييس التي نصت عليها مسابقات الجمال، ما يجعل من ينظر إليهن أن يبحث عن (........) على وجه السرعة، ولا تسألوني لماذا؟!، لأنني أخشى من مقص الرقيب. انتصفت الدقيقة وما زالت الإشارة الملعونة تحملق في وجهي المكفهر، وبطرفة عين من أعيني الثلاثة، لمحت صديقاً، ناسفاً شماغه المنشى على الآخر، وكان يتأمل وجهه القميء في مرآة سيارته، وبين الحين والآخر يفتح فمه وكأنه يريد أن يتأكد من نظافة أسنانه.. وبدون تفكير ـ كعادتي دائماً ـ اتصلت به هاتفياً من جوالي اليتيم، قلت له بكل خفة: هاي، فقال لي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قلت له (متتريقاً) وكاذبا إلى أبعد الحدود: وحشتنا، فقال لي: وأنت أكثر. فعرفت انه قد تجاوزني بمراحل من ناحية الكذب.

سألته بدون نفس قائلا: أين أراضيك يا رجل؟!، فقال لي: أنا الآن أقف أمام إشارة المرور في شارع العليا في الرياض.. وما ان انتهى من جملته هذه حتى انطفأت الإشارة الحمراء في شارع الأندلس في جدة، وولعت الخضراء، وانطلق هو بسيارته، وأنا سائر خلفه، وسولت لي نفسي في حينها أن أصدمه من الخلف، غير أنني خفت أن تتأثر من جراء تلك الصدمة سيارتي حبيبة عمري، التي أحافظ عليها مثلما يحافظ العرب على قضية فلسطين، بل انني قد كتبت وصيتي قبل خمسة أيام، وقلت فيها: انني إذا انتقلت إلى رحمته تعالى بعد ثمانية قرون من الآن، أن يكفنوني بكل شياكة، ثم يسدحوني في مرتبتها الخلفية بكل هدوء وتقدير وبدون أي زعل، ثم يدفنوها هي ـ أي سيارتي ـ وأنا ممدد في داخلها كأي خشبة محترمة تحمل أرق المشاعر لكل بني البشر ـ خصوصاً لكل البنات الضاحكات بدون سبب ـ.

اندفعت بسيارتي في شارع الأندلس في جدة خلف صديقي (الكاذب)، الذي ادعى انه في شارع العليا في الرياض، وانحرفت قليلاً محاولاً تجاوزه، وعندما أصبحت بجانبه ضربت له (الكلاكس) ـ أي البوري ـ وعندما التفت ناحيتي مددت له لساني كأي مراهق تعبان، مع حركة من أصابع يدي يعاقب عليها بوليس الآداب ـ هذا إذا كان هناك بوليس للآداب في هذا الوقت الذي لا ادري اجيه منين؟!.

[email protected]