خطوة استباقية لـ «المغامرة الديمقراطية»

TT

يبدو كما لو اننا كعرب على موعد مع ما هو أسوأ يأتينا من الولايات المتحدة. وما نقرأه بين سطور تصريحات الثنائي الديمقراطي جون المرشح لمنصب الرئيس وجون الذي وقع عليه الاختيار ليكون نائب الرئيس لا تدعو إلى الارتياح على الاطلاق. فالأول جون كيري باغتنا بمواقف لا تشجع العربي حاكماً او محكوماً على تعليق الآمال الزاهية على إدارته. والثاني جون ادواردز، الذي ارتضى أن يكون نائباً محتملاً للرئيس بعدما كان طرح نفسه كمرشح للرئاسة ثم انسحب أمام اتساع رقعة الالتفاف الشعبي حول جون كيري، لن يخرج عن البرنامج الذي على أساسه يخوض الديمقراطيون معركة انتزاع الرئاسة من الجمهوريين ثأراً من لعبة أصوات فلوريدا الشهيرة والمتضمن «وعد كيري» الذي لا يقل خطورة عن «وعد بوش». والاثنان يلتقيان مع وعد بلفور.

لقد باغتنا جون كيري بكلام عن إسرائيل واليهود وياسر عرفات يثير الدهشة... وبمثل الدهشة التي يثيرها كلامه عن حرب بوش الابن على العراق. كذلك باغتنا بنوايا ليست طيبة على الاطلاق تجاه المملكة العربية السعودية، العمود الفقري للتوازن العربي وبما يحققه هذا التوازن من صمود للثوابت العربية. وعندما نقرأ بين سطور كلام قاله كيري يوم الجمعة 28 مايو (ايار) الماضي، وكلام قاله راند بيرز، أحد مستشاري كيري، يوم الخميس 8 يوليو (تموز) الجاري عن المملكة، نجد أنفسنا أمام مرحلة من الصراع العربي ـ الأميركي ستكون بضراوة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. كما نجد أنفسنا أمام رجل لا يريد الانصراف إلى تصحيح الداخل الأميركي وتداعيات الحرب التضليلية الانتقامية على العراق والتقليل من الانشغال عموماً بالأمور الخارجية. بل لا نستبعد أن يكون مستشارو كيري الذين زرعهم «اللوبي الصهيوني» سلفاً أكثر سوءاً من أولئك الذين جرى زرعهم قبل عام 2000 في الحزب الجمهوري لكي يكونوا هم واضعي مخطط الهجمة على العرب. وفي ضوء عدم الاستبعاد هذا فإن هؤلاء قد يكونون يزينون منذ الآن لـ «الرئيس المنتظر» جون كيري محاسن خوض حرب باردة ضد المملكة العربية السعودية. وعندما نفترض ذلك فمن خلال وضع خطوط تحت بعض العبارات الـ «كيرية» مثل «عندما أُصبح رئيساً سيكون هدفي الأول منع الإرهابيين من الحصول على أسلحة للدمار الشامل، ومهمتنا الأساسية ستكون شل وتدمير الخلايا الإرهابية ونقل المعركة ضد العدو إلى كل قارة...» ومثل قوله استطراداًً «إننا ببساطة لن نقيم العلاقات المعتادة مع السعودية وإن الولايات المتحدة والسعودية تحتاجان إلى إجراء حوار صريح على أرفع مستوى والتحدث حول المستقبل...».

وبالنسبة إلى القضية الأساسية للسعودية والتي هي من الثوابت التي لا مجال لأي مجادلة في شأنها، ونعني بذلك القدس والحرم الثالث، نجد أمامنا ثنائياً ديمقراطياً على أهبة أن يخطو في اتجاه تعقيد الأمور أكثر فأكثر، وكل ذلك بغرض وضع العرب أمام الخيار الصعب والقرار الأصعب حيث انهم لن يتجاوزوا في الحد الأقصى المبادرة العربية التي هي من صياغتهم ولن يتهاونوا في موضوع «وعد كيري» بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وبذلك تصبح المدينة المقدسة موحَّدة وعاصمة أبدية لإسرائيل. وهذا الوعد طرحه الجمهوريون في برنامجهم الانتخابي عام 2000، الا أن الخصوصية التي تتسم بها العلاقة السعودية ـ الاميركية حتمت على إدارة الرئيس بوش الابن إرجاء التنفيذ قدر الامكان. وها هي الولاية الأولى على أهبة الانقضاء من دون أن تتخلى الصهيونية عن طرح المطلب في ساحة المنافسة الجمهورية ـ الديمقراطية وبحيث يقف الصهاينة، أصواتاً ومصالح اقتصادية، إلى جانب من ينفِّذ الطلب الأكثر خطورة.. أي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مستندين في ذلك إلى أن ما تعهَّد به وعُرف كتسمية بـ «وعد بوش» بات مُلزماً للإدارة البوشية إن هي نجحت في معركة التجديد ولاية رئاسية ثانية، أو ان الفوز كان من نصيب الثنائي الديمقراطي «جون» و«جون» أو ادواردز وكيري على وزن توم وجيري. أما لماذا هو مُلزم فلأن مجلس الشيوخ الجاهز في استمرار لمساندة إسرائيل على حساب العرب ومصلحة الشعب الأميركي صادق يوم الخميس 25 يونيو (حزيران) الماضي بأكثرية 95 مقابل ثلاثة معترضين فقط على وعد بوش، الذي ومن باب التذكير نشير إلى أنه «يتعهد بضمان أمن اسرائيل ورفاهيتها كدولة يهودية وضمان حدود يمكن الدفاع عنها وتعزيز وترسيخ مقدرة اسرائيل الدفاعية لحماية ذاتها في مواجهة كل تهديد...». هذا إلى جانب معارضة حق العودة للاجئين الفلسطينيين واعتبار عودة إسرائيل إلى حدود 1949 «أمراً غير واقعي». وهذا ما أقره بغالبية 407 مقابل تسعة أصوات مجلس النواب الأميركي قبل يوم من تصويت مجلس الشيوخ.

في ضوء هذا المشهد يبدو أننا كعرب أمام مغامرة حربية ديمقراطية في حال جاء الفوز من نصيب الـ «جونينْ» كيري وادواردز. وخطورة هذه المغامرة التي تستند إلى عقيدة «أن الولايات المتحدة لن تسمح لأي قوة على وجه الأرض بالسيطرة على منطقة الخليج، ولذا ستواصل هيمنتها العسكرية على العالم»، والتي تتزايد الإيحاءات من جانب كيري ومستشاري السوء في حملته الانتخابية وبالذات راند بيرز الذي ربما هو في نظر جون كيري بمثل كوندوليزا رايس في نظر بوش الابن، انها تضع نصب عينيها المملكة العربية السعودية كهدف على أساس ان اختراق القلعة الحصينة يحقق الإخضاع العربي والاسلامي للأمر الواقع الصهيوني، فضلاً عن ان المغامرة الحربية هي التي في رأي خبراء المال والاقتصاد يمكن ان توقف انحسار التراجع المستمر، وإن ببطء، للدولار أمام اليورو. وفي حال حدث ذلك سنجد أنفسنا كعرب في عام 2005 ـ 2006 أمام «حرب الإدارة الديمقراطية» على الأمة في حال قرر اللوبي الصهيوني وضع البيض في سلة الثنائي جون كيري وجون ادواردز، هذا الثنائي المكتسح جماهيرياً الذي يطرح نفسه على انه «الحلم الأميركي»، او أمام استمرار النزف الراهن وإقدام الإدارة الجمهورية الحالية في حال فازت وأجرت بعض التشذيب والتجميل في مفاصلها الاساسية، على تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة اسرائيل انسجاماً مع «وعد بوش».

وفي هذه الحال فإنه بدل ان نقول اننا ضقنا ذرعاً بإدارة بيل كلنتون فجاءتنا إدارة بوش أكثر سوءاً منها، وان الصدور تفجرت غيظاً من ألاعيب الإدارة الجمهورية لكثرة تصهينها وامتهانها للكرامة العربية فجاءتنا (بافتراض حدوث الفوز كما هو متوقع) إدارة جون كيري وجون ادواردز تتصرف بما يوجب الترحم على الإدارة البوشية وأفعالها... إننا بدل ذلك نرى الإقدام على خطوة قد تبدو خيالية وتثير الاستهجان لدى البعض لما تتسم به من غرابة، لكنها من نوع الخطوات التي قد تجعل الأوراق تختلط وبحيث لا تعود الاحوال على الوهن التي هي عليه ولا يتواصل الارتباك في الصف الذي لا مثيل له في تاريخ نصف قرن من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وما نقصده بهذه الخطوة ما دام الموقف الاميركي على ما هو عليه وما دمنا لم نحصل من الإدارة الأميركية ولو على الحد الادنى، هو أن يتم اعتراف عربي وبالإجماع بإسرائيل وفي الوقت نفسه قطع العلاقات بالكامل مع الولايات المتحدة وبريطانيا وعزلهما تماماً، خصوصاً انهما المستفيدتان من هذه العلاقات بينما نحن في دائرة الخسران دائماً. وفي حال حدثت الخطوة ونشأ عنها تراجُع نوعي في موقف الدولتين الجائرتين وبما يجعل السلام يسود على الارض وتسود المسرة في الناس ويتهاوى الجدار الشاروني ويتوقف تلقائياً العدوان والتجريف والتدمير والاغتيال والعمليات الاستشهادية ومعها نشاطات «حزب الله» بكل فروعه من لبنان الى معظم الخليج الى بعض الدول الأخرى، فإن الدولة الفلسطينية يمكن ان تقوم... او تقوم كتسمية «دولة السلام» التي يتداول رئاساتها الأولى والثانية والثالثة الفلسطينيون العرب، مسلمين ومسيحيين، لا فرق، واليهود، وبحيث عندما يكون الرئيس يهودياً يكون نائبه عربياً مسلماً او مسيحياً وبالعكس. ومن دون الخطوة التي نشير اليها، اي اعلان الاعتراف العربي الكامل والشامل باسرائيل، وفي الوقت نفسه قطع العلاقات بالكامل مع دولتي الحرب، على العرب والمسلمين، اميركا وبريطانيا، لا مجال لأي تغيير. فالمطلوب صدمة بفعل الزلزال الذي يقضي على المتلاعبين ويضع نهاية لحقبة من الظلم الدائم والظلمات المتواصلة مقدمة لإطلالة فجر مشرق على المنطقة التي هي الأرض التي قامت على ترابها الديانات السماوية الثلاث... ومع ذلك فإن ترابها مجبول دائماً بالدم.