السياحة والديمقراطية

TT

دعوني اكرر ما قلته مراراً، وهو ان ثروة العراق الحقيقية هي السياحة. فالنفط ثروة نافدة والزراعة اصبحت تعاني من قلة الماء والتغير المناخي. ما لن يزول، بل وسيتضاعف بمرور الزمن هو جاذبات السياحة. وها نحن قد اضفنا اليها الآن عنصر السجون والمعتقلات وزنزانات التعذيب. العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي يملك مشنقة مزودجة بفضل صدام حسين. واقول هذا لأذكر المسؤولين بالحفاظ على هذه الثروة السجونية ورعايتها. سيأتي زمن يفد فيه السياح بالالوف ليتفرجوا على هذا الشيء العجيب، كيف خنع شعب من عشرين مليون لشخص واحد مجنون. فيتساءلون من كان المجنون هناك، الشعب الذي صفق له أم الزعيم الذي صدق تصفيقهم.

السجون جانباً، هناك الاهوار التي لم يتصور العراقيون أنها تخلب الاجانب بسحرها وأحيائها واسماكها ونباتاتها. والاهوار جانباً، هناك الانهار التاريخية الخالدة بضفافها ونخيلها ولياليها الصافية. والانهار جانباً، أيمكن لأحد ان يتحدث في جماليات العراق بدون الاشارة الى جبال كردستان وشلالاتها وغاباتها وثلوجها ومزالجها.

وكل ذلك جانباً. تعد السياحة الدينية والفنونية المصدر الاكبر لاجتذاب السياح. قلما يتذكر أحد ان بلاد الرافدين هي البلد الوحيد الذي يضم ترابه الاماكن المقدسة لكل الاديان السماوية وسائر الطوائف الاسلامية.

يوجد فيه من انبياء العهد القديم اكثر مما يوجد في فلسطين. فاذا شحت الأقدار على العراق الآن بعظماء الاحياء فإنها لم تقصر بعظماء الاموات. وتشكل المراقد الدينية في كربلاء والنجف والكاظمية آيات خلابة من آيات الفن الاسلامي.

الشيء الظريف في ميدان السياحة، ان لها علاقة وطيدة بالديمقراطية والشرعية وحقوق الانسان. فالسياحة تنقل موارد الثروة والدخل القومي من الحكومة الى الشعب. وهذا يعطي الشعب الكلمة الاخيرة في الشؤون العامة حيث ان موارد السياحة تدخل اولاً جيوب الشعب وعلى السلطة ان تحصل على حصتها منها بالضرائب.

من الناحية الاخرى، ان السياح يتحاشون الذهاب الى الدول الدكتاتورية او الاستثمار فيها ولا يستطيعون ان يثقوا بعدالتها واحترامها لحقوق الانسان. كما يريدون قسطاً كافياً من الحرية وتوفر وسائل اللهو والمتعة والفرجة. انهم باب مهم من ابواب الانفتاح. هكذا اضطر فرانكو الى فتح اسبانيا عندما سعى الى اجتذاب السياحة. فعلت مثل ذلك اوربا الشرقية في العهد السوفيتي، وربما عجل هذا في اسقاط النظام الكلياني فيها.

تساهم السياحة ايضا في تطوير البنية التحتية وانظمة الاتصالات والمعلومات وتعلم اللغات والثقافات الاجنبية وتنمية الكوادر الفنية.

ويصب كل ذلك في محصلة تطوير الحياة الديمقراطية والحريات العامة. يقال مثل ذلك عن اتصال الجمهور بالسياح وتبادل المعلومات معهم والاطلاع على مستوى حياتهم واساليب معيشتهم وممارساتهم للحياة الديمقراطية والحرية. تشجيع السياحة جزء من عملية تشجيع الديمقراطية.