المصارعة

TT

المصارعة أنواع، وأسوأ ما فيها أن تكون أنت المصروع لا الصارع، والحمد لله أنني لم أكن في أي يوم من الأيام صارعاً ولا مصروعاً، لأن صراعاتي لا تدخل العضلات في عناصرها، وإنما هي قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص العاطفية - إن جاز التعبير.

والمصارعة من حيث هي رياضة لتقويم الأبدان لا بأس بها، والرسول الكريم مارسها في حياته وصارع بعض الصحابة وصرعهم ودّياً.

وأشرس المصارعات هي ما كان يفعله الرومان، حينما ينظمون مباريات المصارعة بين العبيد، حيث أن المنتصر لا بد أن يقضي بالموت قتلاً على المهزوم بدون أي شفقة ولا رحمة.

وأذكر عندما كنّا صغاراً، أننا كنا نتلذذ بالفرجة على مصارعة أو مناقرة الديكة، وكان ديكي على الدوام من أخيبها وأجبنها، وهذا ما حدا ببعضهم الى أن يذبحوه في غفلة مني، وأن يطبخوه ويأكلوه، وقد قاطعتهم من الكلام أياماً من شدّة غضبي وحزني على ديكي المسكين.

كما أنني أذكر أن «المطارحة» - وهي نوع من المصارعة - كانت متفشية بين الصبية وكذلك الكبار من الرجال، وكثيراً ما تمزقت الثياب، وانحاست (الزوالي والمساند والمراكي) في المجالس من شدّة المعافرة وترفيس الأرجل، وأكثر ما تكون المراهنات على إبريق من الشاهي، وإن كثرت فعلى ذبيحة للغداء أو العشاء.

ولا أطيق الفرجة على المصارعة الحرة التي يبثها التلفزيون، رغم أن الكثير من الناس شبه مدمنين على مشاهدتها - خصوصاً الكبار بالسن منهم - وكأنهم يترحمون على أيامهم الخوالي، فيغرقون في أحلام اليقظة، فيتخيل الواحد منهم أنه (هرقل) زمانه.

وأعجب المصارعات هي مصارعات النساء بعضهن بعضا، والبارحة وقعت صدفة وأنا أقلب (ريموت كونترول) التلفزيون، على محطة رياضية، وإذا بامرأتين الواحدة منهما تزن ما لا يقل عن مائة كيلوغرام، وقد ابترمت واكتنزت سيقانهما وأفخاذهما وأردافهما وأكتافهما بالعضلات المدججة، وجلست صامتاً أتفرج لمدة خمس دقائق على أعنف وأسوأ المناظر، وحمدت الله على أن الغالبية العظمى من النساء لسن كذلك، ولو كن جميعهن على شاكلة هاتين المصارعتين، لذهب جميع الأزواج من الرجال في (خرخر)، أو في (خبر كان).

والآن بدأت المراهنة على مصارعة (الريبوتات)، حيث من الممكن أن يستمر الصراع مدّة يومين دون توقف، حيث تتقاتل إلى آخر صامولة، ويقول أحد أعضاء لجنة التحكيم مفلسفاً هذا النوع من المصارعة: «إن الرغبة في العنف موجودة في أعماق كل إنسان ويجب مخاطبتها، كما أن الإنسان حينما يرى أن (الريبوتات) تحطم بعضها بعضا يشعر بالتفوق عليها».

وهم يعتقدون أنه سوف يأتي زمان يعجز فيه الشخص عن التفريق بين الإنسان والريبوت، ومن الممكن وقتها أن تستعيض المرأة عن الرجل بريبوت يقوم على خدمتها.. وكذلك الرجل من الممكن جداً أن يستغني عن المرأة (بريبوتة) تشرح صدره.