مؤسسة الحرمين عبرة

TT

توجد في السعودية اكثر من ثلاثمائة مؤسسة خيرية، انتشرت كالفطر في السنوات القليلة الماضية، باستثناء جمعيات البر الداخلية وواحدة متخصصة في دعم الشعب الفلسطيني، عرفت قديما منذ الستينات وحظيت على الدوام بثقة الناس ولم يعرف عنها مخالفات. أما بعض الجمعيات الخيرية التي اسست حديثا، وتحديدا تلك التي وجهت تبرعاتها للخارج، فهي التي شوهت سمعة العمل الخيري عندما كانت تستغل اموال المحسنين لتغيير العالم.

«الحرمين» بكل أسف، واحدة من اهم الجمعيات التي تعرضت للملاحقة الدولية والمحاسبة الداخلية، واهميتها في خطورة التهم ضدها بكيفية انفاق اموال المتبرعين. واهميتها الثانية كونها نمت حتى صارت امبراطورية مالية بنتها من جيوب المتبرعين واسست حولها شبكة كبيرة من المحتاجين والمستفيدين ارتبطوا بها. هذه الجمعية اصبحت ممنوعة من العمل الخارجي بعد تورطها في تهم دولية كبيرة، لكن سمحت لها الحكومة السعودية بالعمل في الداخل، خاصة بعد ابعاد المسؤولين السابقين. هل انتهت المشكلة بتصحيح الوضع؟ لا، ابدا. فقد اختفت مصادر التمويل المالية واستمر تجميد حساباتها المحلية. وحسما للمشكلة لم يدخر جهدا مديرها الجديد المستقيل دباس الدباسي، حل محل مديرها المبعد عقيل العقيل، في شن حملة صحافية للدفاع عن الجمعية مناديا الى فك قيدها المالي. الدباسي اعترف بانه يؤمن بضرورة الانحناء للعاصفة، عاصفة اجهزة الأمن العالمية ضدها ومن مثلها، عقب القلاقل التي اصابت العالم من الارهاب ومصادر تمويله لكن في الوقت نفسه يرى ضرورة تفعيل عملها الداخلي بعد ان نظفت وحوسبت.

وبخلاف من يقول بضرورة اغلاق «الحرمين» لتكون عبرة للمخالفين، اقول ان عودتها للعمل مفيد كنموذج لما ينبغي ان يكون عليه النشاط الخيري الذي لا خلاف عليه. فالرفض هو ضد تسييس الجمعيات واستغلال اموالها. وتصحيح الوضع يتطلب من الجهات الرسمية المسؤولة ان تكون صريحة فتعلن بشكل واضح حدود العمل الخيري وضوابطه واوجه انفاقه بلغة دقيقة لا معممة. فما يقال عن اكتشاف نحو مائة مليون دولار من اموال «الحرمين» في الحساب الشخصي لمديرها السابق يثير لغطا كبيرا. وعلينا ان ندرك انه لو جاءت جولة جديدة من المشاكل والملاحقة فان الخطر سيعم الجميع، وبالتالي تقع مسؤولية عظيمة على كاهل الحكومة بضبط عمل الجمعيات. فنحن اليوم نعيش وسط معركة تخوضها نحو ثلاثون دولة في العالم ضد الارهاب، وستستمر في تتبع ثلاثيته، الفكر والمال والرجال، ولن تهدأ العاصفة، كما سماها عن حق الدباسي الى زمن طويل. ورغم اهمية ما تم بقي الأهم، وهو تحديد أطر العمل الذي يجوز ان تعمل فيه الجمعيات وكيفية جمع المال ووجوه انفاقه، كأن تمنح المساعدات للفقراء ثم للمؤسسات المحتاجة ذات الخدمات الضرورية للناس كالمستشفيات وتمنع عن الاعلامية والدعائية والسياسية. ففي اللغة التفصيلية الواضحة ارشاد للجميع وضبط للعمل الخيري وسلامة للمجتمع وسلامة البلاد، خاصة ان أخطار الارهاب باقية، وربما الأعظم آت.

[email protected]