السودان يقف وحده في دارفور

TT

ثمة تساؤل مشروع في الفترة الأخيرة عن حالة الحكومة السودانية، وهي تقف وحدها في معمعة دارفور، هل لأن الجميع يسلمون بخطئها في معالجة أزمة بأحد أقاليمها؟ وحتي هنا فقد كانت علينا مسؤولية النصح المبكر، أم ترى أن الأصدقاء جميعا لم يشاءوا التدخل إلى جانب هذا الهجوم الغربي والأميركي خاصة، ناهيك من تأثر الساحة الدولية بكل ذلك والواقع الأليم في الإقليم نفسه، مما عقد الوضع أمام كل الاجتهادات؟

لقد عالجت مفوضية الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا موقفها بذكاء ملحوظ، فاستفادت من انعقاد القمة الأفريقية لتدلي بدلوها التي تعرف أنه محدود الأثر لكنه يتماشى مع بداية دافئة للاتحاد، جعلت الرئيس المالي السابق ورئيس المفوضية الحالي يستحق التحية.

واستدارت الأنظار عندئذ إلى الموقف العربي، بل وخصت منه الموقف المصري، وهي استدارة قادمة من نقطة انطلاق سابقة بالنسبة للعراق وفلسطين.. وتستقر الآن عند دارفور!

كنا قد تفاءلنا عندما وُجد أمين عام الجامعة العربية، ووزير الخارجية المصري في نيروبي عند توقيع الاتفاق المبدئي هناك حول جنوب السودان أواخر الشهر الماضي، وقلنا ها هي الأطراف الدولية والأفريقية تسلم بالحضور العربي، لمثل هذا الاتفاق، كما يبدو أن مصر قد تراضت من حوله مع العالم الخارجي والحكم السوداني نفسه.. ولم تمض إلا أيام حتى عادت أزمة دارفور تكشف عن نفس العجز المزمن في منطقتنا العربية، وعن الدور المصري الغائب بدون معنى أو سبب مفهوم.

قد يكون لدى الجامعة العربية ما تقوله عن دورها في دفع حركة الدعم التنموي للسودان وجنوبه، وتعبئة روح التضامن من جانب الصناديق العربية.. إلخ.

وحتى في دارفور.. قد تقول الجامعة إنها أرسلت وفدها الذي قدم تقريره للقمة العربية سواء رضيت عنه حكومة السودان أم استاءت منه فقد بدا الأمر موضوعيا.

أما الموقف المصري فقد بدا غيابه لافتا عندما توقف عند تحية اتفاق الجنوب حتى لو ارتبطت النخبة ببعض وعود المشاركة في عملية تنموية، جاءت للأسف عبر الخرطوم وحدها ولم تنتظر قليلا لتعني الاتفاق مع شكل الحكم الذي سيتشكل بناء على اتفاق «ماشاكوس»، وهذه بداية الأخطاء الجديدة.

وعندما غابت مصر في مسألة دارفور تعقدت الأسئلة ; فهل مصر لا تعنيها إلا استراتيجية المياه في حوض النيل، وقد بدأت تطمئن أو تعرف موطئ قدميها هناك، أم أن السودان بكل عناصره السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو الموضع الأجدى باهتمامها؟ هل تعنيها الحكومات فقط أم كل عناصر الشعب السوداني؟ ومن هنا اكتفت بالنسبة لدارفور بدعم موقف الحكومة في أديس أبابا والتصميم اللافت على أن يشمل القرار إضافة تحية الإجراءات الايجابية في دارفور! وحكومة مصر ـ منذ أشهر قليلة ـ هي التي عادت إلى نغمة التكامل الشامل وروح العلاقات الأزلية مع السودان. وفي موجة الاحتفالات التكاملية والزيارات عالية المستوى وقعت عدة اتفاقيات مثيرة عن الحريات الأربع للتملك، والاستثمار، والعمل، والترحال..! إلخ، وكان توقيع هذه الاتفاقيات قبل الاتفاق الشامل مع الجنوب مثيرا لغضب البعض واندهاش الآخرين، فهل كانت روح التكامل هذه بعيدة عن أعين المسؤول المصري وهو يتابع أحداث دارفور؟ لماذا تحافظ الدوائر المصرية فقط علي ما يعتبره البعض، على حد تعبيرهم «روح التسلط المصرية» ولا تحافظ عما يمكن أن نسميه روح الأخ الأكبر على الأقل، رغم أن المصالح القطرية والشعبية أصبحت تضع محكات أخرى لمجمل العلاقات الثنائية.

هل تترك الحكومة المصرية الجديدة موضوع السودان ليدور فقط في بعض دوائر التجارة المحدودة جدا، وحل صعوبات التعامل المالي، أو المشاركة في مفاوضات المياه مع دول حوض النيل، ثم تقفز إلى الإنشاء العربي البلاغي في بقية الأمور مثل جامعة في جوبا (وهي لم تحل مشكلة فرع جامعة القاهرة بالخرطوم.. إلخ)؟

قد تكون الحكومة المصرية واعية بحجم التدخل الأميركي والغربي عموما في دارفور ساحة البترول الجديدة، والمنفذ إلى الصحراء الغربية المشحونة بالثروات الجديدة، وبالقلاقل القبلية والتدخلات المتنافسة.. إلخ لكن الحكومة المصرية ذات وزن كبير بالنسبة للشعب السوداني، وبها مركز المعارضة الوطنية الديمقراطية السودانية، وذات صلة وثيقة بحركة الجنوبيين وحتى بعدد من قيادات غرب السودان، والدور الشعبي في مصر تجاه كل ذلك لا يقل عن دور الحكومة ويمكن مساندته أو ترك حرية حركته بشكل يليق بعلاقة الشعبين.

الحكومة السودانية لا بد أن تكون مدركة أنها لم تعد تستطيع أن تظل وحدها تاركة كل هذه القوى السياسية الداخلية، وكل هذه العناصر المحيطة، وقد أثبتت حالة العراق أن اضطراب قطر في هذه المنطقة يمس كل شعوبها، ومصر لن تعني الكثير بدون العراق وفلسطين وبدون السودان.

في تقديري أن الشرط الديمقراطي سوف يظل حاكما، وحكوماتنا في المنطقة ترى معظم العناصر والشروط والفروض.. إلا هذا الفرض الغائب.. وهو شرط يهدد السودان كما يمكن أن يهدد مصائر الجميع.

* باحث مصري في الشؤون الأفريقية ومدير مركز البحوث العربية ـ الأفريقية