صدام والسياحة العراقية

TT

كتبت يوم امس عن السياحة كمصدر مستديم للدخل في العراق وأشرت الى مخلفات سجون ومشانق صدام حسين كمصدر جديد اضافي للسياحة. ربما يستخف القارئ بالفكرة. ولكنني اذكره بأنني شخصيا لم يعلق في ذهني شيء من زيارتي للعراق في اكتوبر الماضي كما علقت منشآت سجن ابو غريب وقسم الاعدام فيه. وبعد ان اصبح الغربيون يرفلون بوسائل الراحة والانس والفرفشة اصبحوا يملون منها ويبحثون عما يمكن ان يؤنسهم من مصادر التعذيب والسادية. اعلنوا عن سجن ابو غريب لتروا الالوف المؤلفة منهم تتدفق على العراق. الاميركي الذي اعتاد على ابتزاز زوجته له، سيهتز طربا وهو يرى المواطن العراقي وكيف يضرب زوجته وينتف شعرها ويكسر ضلوعها دون حساب.

بيد أن شيئا آخر خطر لي. يتناقش القوم في بغداد الآن عما يمكن او يجب ان تحكم به المحكمة على صدام. مجرد اعدامه نعمة له وخلاص لأسرته وخير لورثته ومسبة لضحاياه. فمنظمة حقوق الانسان العالمية تقول انه تسبب بقتل ربع مليون شخص (هذا بخلاف من قتلوا في حروبه). لهذا يعتقد الكثيرون ان موتة واحدة مقابل ربع مليون موتة فيها كثير من الاجحاف لا سيما اذا مات بحبل على رقبته موته مريحة في مكان مكيف نظيف. اين ذلك من الطريقة التي مات بها ضحاياه تحت التعذيب؟

يرى هؤلاء ان من الضروري تعذيبه بما يكفي قبل موته. ولكن سواهم قالوا ان للتعذيب ايضا نهاية ولربما يموت حالما يبدأون بتعذيبه فيفوت الفرصة عليهم وتضيع العدالة. رأوا أن احسن حل يكون فيه وضعه مكبلا بالسلاسل في قفص في ساحة التحرير ليتفرج عليه الناس ويبصقوا عليه ويرموه بالطماطم الفاسدة.

لا أضم رأيي لأي من هذه العقوبات. اولا انا لا أؤيد عقوبة الاعدام. وكمؤمن باللاعنف اعترض ثانيا على التعذيب وثالثا انني اعتبر الرجل مجنونا جنونا خطرا على البشرية يتطلب حجره في مكان ما مدى حياته.

والآن وبعد ان كلف العراق كل هذه المليارات، لماذا لا نحاول استرداد شيء منها بتحويله الى اثر سياحي. نضعه في قفص حديدي في مكان سياحي ونعلن عنه عبر شركات السياحة العالمية: «هلموا للاستمتاع بهذه الفرجة. تفرجوا على دكتاتور حقيقي قتل 250.000 مواطن». اعاهدكم انه سيكون هناك صف يتجاوز عدة اميال من الراغبين في التفرج عليه لقاء تذاكر معقولة الثمن مع تخفيض للاطفال واولاد المدارس.

اعتقد ايضا ان من العدالة اعطاء تذاكر مجانية لعوائل ضحاياه ويكلف رفاقه في النضال، طارق عزيز وعلي حسن المجيد وعزيز صالح النومان وسواهم بتنظيف القفص صباح كل يوم.

دأبت المتاحف العالمية على تبادل الآثار والتحف الفنية. وهذه فرصة اخرى. نبادل متحف التيت غلري مثلا، يعيروننا تمثال رودان «القبلة» لنعرضه في المتحف العراقي ليتفرج عليه العراقيون ونعيرهم صدام حسين في القفص ليتفرج الانجليز على هذا الصنيعة من صنائعهم ويخوفوا به اولادهم الزعران.