تعالي أقاسمك الهموم

TT

قال الحجاج لخريم الناعم: ما النعمة؟ قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا يتمتع بعيش. قال له: زدني، قال: فالصحة، فإني رأيت المريض لا ينتفع بعيش. قال له: زدني، قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال له: زدني، قال: فالشباب، فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: لا أجد مزيداً.

لا شك أن الحجاج قد تمادى بطلب الاستزادة، زدني، زدني، زدني إلى درجة أن كبد ذلك الناعم قد (اندبلت) إلى الحد الذي تمرد فيه على الحجاج وحرن، عندما قال له: لا أجد مزيداً.

مع أن هناك الكثير من الاستزادة، في أمور ووسائل تجعل الدنيا أكثر بهجة، وفرحة، وألوانا زاهية.. منها مثلاً (العلم)، فالشاب الآمن الغني المستصح، ليس لشخصيته قيمة تذكر إذا كان جاهلاً عبيطاً، لا يعرف (ثلث الثلاثة كم)؟! فالمتعة الحقيقية من وجهة نظري (القاصرة)، هي تعلم المزاوجة، أو المصاهرة (رتم) العصر بكل إيقاعاته، فالحضارة ممتلئة بكل ما لذ وطاب، وكل ما من شأنه أن يشنف الآذان، ويحرك الأطراف بالقفز، والدبك، والرقص، والطيران.. كما أن للاسترخاء بحد ذاته متعة ما بعدها متعة، خصوصاً بعد أن تجهد نفسك، ويتصبب عرقك بعد حصة رياضية، يعقبها (شور) من الماء الساخن أو البارد ـ حسب المزاج ـ ثم الالتفاف والتدثر بمنشفة من الحجم الكبير، والانطراح على أقرب أريكة، ولا يظهر منك غير (منخارك)، وتغمض عينيك، بل وتطبقهما على كل الأحلام السعيدة التي تتمناها، وكل المغامرات التي ترسمها وتتوقعها، مستحضراً كل الوجوه المليحة التي تعشقها، ضارباً عرض الحائط، بل وضارباً (بالصرمة) كل الوجوه الدميمة أو الصفيقة التي تتمنى لو أنك (كفّختها)، أو قذفت بها إلى ما وراء الشمس.

هذا هو ديدني في الحياة، أو بمعنى أصح هذه هي دندنتي في الحياة، فأنا اضرب على أوتارها بكامل أصابعي العشرة، وهي تضرب على أضلع صدري بهوس بالغ لا يرحم، وكلانا يقول للآخر هل من مزيد؟! ولا أدري من هو الذي يتوقف، وينخ، وتنطفئ أنواره، ويتلاشى قبل الآخر.

فيا أيتها الحياة الشبقة، تعالي بدون أي استحياء، لكي (أقاسمك الهموم تعالي).