يمكن يا مشعل

TT

أريد أن أحدّثكم اليوم عن البخل والبخلاء، أعرف أن الكثير قبلي تحدثوا عن ذلك، ويكفينا شيخنا الجاحظ الذي لا اعتقد أن أحداً من أعلام العربية في التاريخ قد بزّه بخفة دمه، وذكائه، وخيابته أيضاً، مروراً بكل تأكيد بالعشرات، بل بالمئات الذين ساروا على نهجه من دون أن يفعلوا بأمّتهم العربية والإسلامية أي فعل فاعل، اللهم إلاّ "المجرور، والمفتوح، والمضموم، والمقسوم" على عشرة أو عشرين إزاء واحدة من ذوات العقل "المغتصبة".

لا أريد أن أهذي، وما أكثر ما هذيت ـ وخذوني على قد عقلي ـ وأنتم تعرفونني، ولست بحاجة لمن يشير على خيالي الشاطح.. لأن طينتي جبلت على العناصر السويّة وغير السويّة، وأنا لا أخجل ولا استنكف، ولا أرعوي، ولا أتوقف، ولا أرفع يدي بالراية البيضاء أبداً مهما حصل، ومهما دقت نواقيس الخطر ما بين عظام جمجمتي.. لأنني وبكل بساطة متحدر من "قاب قوسين أو أدنى" من تحجّر الجليد، وانصهار الحجر، وانشطار الذرّة، وانفجار "البويضة".

ملتوٍ ومستقيم، وخارج على القانون، وضارب بيد من الحديد في سبيله في آن واحد.. لا أريد أن يشاركني في غرامي، وحياتي، والتفاتاتي، وانتكاساتي، ومماتي، وتمددي أحد، ولا بينهما كذلك.

أريد وأتمنى أن أصنع العالم كله بأناملي، ولا أقبل أن يساهم أحد في صنع اظفر واحد من اظافري، أو مخالبي بمعنى أصح.

أعرف تماماً وعلى وجه اليقين، أنني "ممجوج وآبق" من نفسي قبل الآخرين، ومع ذلك أحب نفسي إلى درجة الوله.

فيا ألله يا مجيب الدعوات اقبلني كما أنا، مخلصاً، دؤوباً، مواصلاً ليلي بنهاري بالتأمل وعد النجوم والشهب، والتبرم من شياطين الكفار وكذلك شياطين المسلمين عن بكرة أبيهم ولا تذر منهم أحداً أبداً.

في انسياقي "المعتوه" هذا، وغير المبرر كالعادة، نسيت الجاحظ وما أردت أن أتحدث عنه من البخل، وسبق لي أن ذكرته قبل قرن من الزمان، ولا بأس أن أذكره، لأن ذلك الإنسان البخيل العظيم في شأنه الذي سوف أتحدث عنه، قد بزّ الأولين، ومن الممكن أن يبزّه أحد من الآخرين لو أوتي بعضاً من عبقريته، ذلك الإنسان من شدّة شغفه؟؟ وحدبه؟؟ على الدراهم، كان يفعل الآتي ـ ووالله إنني على ما أقول ذلك شهيد ـ كان يلف الأوراق النقدية من فئات الخمسمائة ريال التي يوفرها من أجرته أو كسبه، كان يلفها "بالبلاستيك"، ثم يضعها في قارورة ماء، ثم يملأ القارورة بالماء، ثم يضعها في " (الفريزر"، وعندما يخطر على باله أن يشتري شيئاً، يخرج القارورة، وبعد ساعة ونصف ساعة من الذوبان، يجد الوقت الكافي لإعادة النظر في الأمر، وقليلاً قليلاً ما يفتحها، وأكثر الأحيان يعيدها لـ "الفريزر" مرّة أخرى.. وأذكر يوماً أنني لمحت ثلاجته وهو يفتحها، فوجدتها متروسة بعشرات القوارير المجمّدة.. وتمنيت من أعماق قلبي أن ينقطع التيار عن ثلاجته، وفي نفس الوقت أن يمنحني الله بعض عشرات من القوارير "الملهلبة" بالحرارة، غير قواريره المجمّدة.. ولكن يا حسرتي لا نلت "هاذي ولا هاذي"، ولكن يمكن، وكمان يمكن يا مشعل في جنّات النعيم، ادعو لي.

[email protected]