3 أيام في دمشق ـ هاجس العراق

TT

شاءت الصدفة ان التقي ثلاثة وزراء حملوا حقيبة الاعلام في السنوات الاخيرة: الدكتور محمد سلمان والدكتور عدنان عمران والدكتور أحمد الحسن. وقبل ان اطرح أي سؤال، كما هو مفترض، كنت اسمع سؤالا واحدا: «كيف شايف الوضع». والوضع هنا يعني العراق. ويعني السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. والى أي مدى يمكن ان تذهب. فلا احد في سورية يمكن ان يغفل الآن ان اميركا اصبحت على الحدود، وان المنطقة كلها تغلي، والحملة على ايران تتصاعد فيما يحرك الكونغرس «قانون محاسبة سورية» بتناغم واضح مع الادارة.

سألت العماد ابراهيم صافي نائب وزير الدفاع وقائد القوات السورية في لبنان طوال سنوات، لماذا تأخرت الخطوات الاصلاحية، فقال التحديث ليس انقلابا. كل شيء في حاجة الى وقت. لقد فتحت سورية الباب امام المدارس الخاصة والجامعات الخاصة، لكن ذلك يحتاج الى تأهيل الكوادر واعداد المعلمين والاتفاق على البرامج. وانشاء البنوك الخاصة يحتاج الى كوادر وتغيير في القوانين. «واكثر الرجال حماسا للتحديث والتطوير هو الرئيس بشار، لكنه ايضا الاكثر ادراكا لانعكاسات التسرع».

تحركت في وجه العملية التحديثية عوامل كثيرة، اهمها العراق، واكثرها خطورة الحركة الكردية في القامشلي التي تخطت أي توقع. وفي مقابل اهتزاز الوضع العراقي اقام بشار الاسد علاقة خاصة ولا سابقة لها مع الجارة التركية. لكن الهاجس العراقي ينعكس على مشاعر الناس. والبعض يشعر ان كرامته الشخصية والوطنية على المحك. ويروي مفتي حلب الشاب الشيخ احمد حسون انه كتب رسالة خاصة الى جورج بوش، ليس لأن رسالة من هذا النوع يمكن ان تسحب القوات الاميركية بل من اجل ان يدرك البيت الابيض ان العراق مسألة تعني كل عربي مثل قضية فلسطين. فالقضية مع العراق ليست قضية حدود مفتوحة او مغلقة، وانما هي قضية بلد يعاني اهله عبر الحدود ومهدد بشتى انواع الاخطار.

تريد سورية ان ترد او ان تصد عن نفسها خطر الاوبئة السياسية التي تضرب المنطقة. وهي تشعر ضمنا بالاغتباط لكونها في هدوء، الا انها تعرف ايضا ان الهدوء وحده لا يكفي. هناك مسألة النمو الاقتصادي، والمعتقلون «الاقتصاديون» ايضا، وهناك محاربة الفساد وهناك المستوى المعيشي وهناك، في صورة عامة، الخروج من الاشتراكية المغلقة الى اشتراكية حديثة، على غرار الاشتراكية الفرنسية او البريطانية. لقد اتسعت الفجوة بين الغنى والفقر في البلاد. ولا تزال المعالم العامة في دمشق ترسم صورة دولة من اوروبا الشرقية بسياراتها القديمة وتاكسياتها الصغيرة جدا، لكن هذه الصورة تخترقها على الدوام السيارات الفخمة او القصور المشيدة والفيلات الكبرى.

ولا ننسى السيارات اللبنانية الزائرة، التي تذكر الناس بأن الخيار الاقتصادي او المالي اللبناني، منذ الاربعينات، كان اكثر جدوى، ولو ان الظروف الاجتماعية والسياسية تختلف في البلدين اختلافا شديدا.

تحديان متوازيان امام الرئيس الشاب: التحديث، بكل وجوهه ومعانيه، والوضع السياسي البالغ الدقة في المنطقة. فمن ناحية، سورية في وضع هادئ تغبط عليه، ومن ناحية اخرى، امام خيار معقد، لا تغبط عليه.