خدمة... وتقاعد

TT

فترة تأسيس الدولة السعودية وما تلاها تطلبت قدرات وعطاءات بشرية مميزة وفي بعض الاحيان استثنائية، وانعكس ذلك عبر انجازات تفتخر بها البلاد في أكثر من مجال. وكثير من هذه القدرات البشرية تقاعدت عن عملها سواء أكان برغبتها الخاصة والشخصية أم لأنه طلب منها ذلك. وكثير من تلك النماذج الانسانية الممتازة لا تزال لديها القدرة على العمل والعطاء وترغب في المساهمة في مسيرة التنمية بأي صورة محترمة وكريمة ولكنها ومع الاسف الشديد لا تجد الفرصة ولا المجال المنظم ولا المرحب للقيام بذلك.

وهذه الكفاءات تعتبر ولا شك طاقة مهدورة وغير مستغلة بالشكل السليم والمنظم. فهي لو سمح لها بتنظيم هيئة للمتقاعدين كانت لهم صوتا لتنظيم مشاركتهم في الحياة العملية مرة أخرى ولابداء رأيهم في الامور التي تهمهم كالمشاركة في صناعة قرارات صندوق التقاعد والمناداة باقامة دور للعجزة وكبار السن في العديد من الاحياء وفي مدن وقرى البلاد والعمل على اصدار نظام يمنع التفرقة في العمل وشروحه ومزاياه ما بين كبار السن وغيرهم.

التقاعد لا يعني البته نهاية المطاف بل على العكس فهو يعني محطة أخرى لو أحسن استغلالها ستعود بفائدة كبرى على الفرد وعلى البلاد. وفي أكثر من دولة من دول العالم تمت اعادة استخدام المتقاعدين بصورة فعالة لملء وظائف عمالة وافدة وللتدريب نظرا للخبرة المتراكمة التي لديهم وايضا تم استخدامهم في مهن خدمية متنوعة على الهاتف والحاسب الآلي وغيرها.

والسعودية كبلد لديه تحد هائل في موضوع العمل والعمالة لديها، يبدو أنها للآن لم تحسن استغلال الطاقات الهائلة المهدورة لديها في اعداد المتقاعدين عندها وهم كثر. وهذا الاعداد ممكن ان يطور ويحسن نسب السعودة وممكن أن يطور قدرات التدريب في الكثير من المجالات والقطاعات والاهم من ذلك كله أنها تشعر عددا غير بسيط من مواطنيها انهم مرحب بهم وبامكانهم خدمة بلدهم واقتصادهم مرات أخرى عديدة.

ويبقى السؤال هو متى وكيف سيتم ذلك؟ اننا بإغفالنا هذه الشريحة الهامة نكون قد أضعنا ثروة من الخبرة التراكمية التي لا تتكرر. وهناك مهام وادوار مطلوبة من وزارات العمل والخدمة المدنية والتخطيط وغيرها لاستغلال تلك الطاقة الهائلة بالشكل السليم. فليس من المفروض أن يتم تكريمهم بين الحين والآخر ولكن من الممكن ومن الضروري استغلال قدراتهم بأشكال مختلفة ومبتكرة.

لا يعيب أي مجتمع أو ينتقص منه الاستعانة واستغلال قدرات من تقاعد منه، ولكن العيب الحقيقي هو اغفال وتجاهل أي عنصر ونكران الفائدة المرجوة والممكنة منه. بالقدرة على دمج المتقاعدين في المجتمع مرة أخرى وحسن استغلال امكانياتهم وتكون السعودية تمكنت فعلا من وضع لبنة أخرى في بناء مجتمع مدني سوي، وبغير ذلك فستضيع فرصة مهمة.