مايكل مور.. قال حريته ومشى

TT

اذا كنت تكره بوش والسياسة الاميركية، فقد حملت معك ثلاثة ارباع عوامل نجاح الفيلم الاميركي (فهرنهايت 9/11) للمخرج مايكل مور، حتى قبل ان تخطو باب السينما.

الفيلم الذي حاز جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، يبدأه (المخرج المؤلف المنتج): مايكل مور بالتشكيك بصحة الانتخابات التي اوصلت بوش الى البيت الابيض، وينهيه بالتعهد بعدم انتخابه مرة اخرى، لأنه لن يخدع الشعب الاميركي مرتين.. وما بينهما يتناول سياسة بوش والادارة الاميركية، وان محركها الاول هو: المال ثم المال ثم المال.. ويأخذك في رحلة ساخرة لم تخل من الانتقائية والمبالغات وتغييب بعض الحقائق بأسلوب يذكر كثيرا بأسلوبنا العربي.

فعلى سبيل المثال: تناول العلاقة الاميركية ـ السعودية الوثيقة (بزعم أن بن لادن سعودي!)، وأغفل تماما جهلا او تجاهلا ان بن لادن لم يعد سعوديا منذ سنوات قبل الحادي عشر من سبتمبر، وركز على ان خمسة عشر خاطفا كانوا سعوديين وهذا صحيح، لكنه اغفل الوجه الآخر للحقيقة، وهو ان هؤلاء استهدفوا السعودية تماما كما استهدفوا الولايات المتحدة، ولا تزال السعودية تواجههم وحدها حتى لحظة كتابة هذا المقال. كما انك تتساءل: هل مايكل مور يدعو الى السلم وإبقاء الجنود الاميركيين في احضان امهاتهم، أم انه يدعو فقط الى تغيير الوجهة وضرب الرياض بدلا من بغداد؟ ثم وماذا عن السعوديين الذين دفعوا ثمن 11/9 وعوملوا كمدانين حتى تثبت براءتهم؟

في موقع آخر يسخر مور من قوات التحالف، وان قوات التحالف هي فقط: كوستاريكا وكولومبيا وغيرهما من الدول الصغيرة، وهذا ايضا تجاهل لحقيقة موضوعية، وهي ان قوات التحالف ايضا، ضمت دولا اخرى مثل بريطانيا وايطاليا واسبانيا.

كان يمكن ان نتجاوز هذه الانتقائية ونغفرها للفيلم، لولا انه قدم نفسه على انه فيلم وثائقي يفترض به ان يقدم الحقيقة، على الاقل الحقيقة الظاهرة الآن، باعتبار ان الحقيقة الكاملة لن تظهر الا مع مرور الزمن ـ هذا لو ظهرت! لكن هذا التحيز يظهر في تصويره لغزو العراق، حيث اظهر بغداد البلد السعيد الآمن حتى غزاه (الكاوبوي) بوش وبلير، ثم بدأ يسرد مشاهد مؤثرة من الحرب. لكن السؤال: هل حقا كانت بغداد سعيدة؟ أليس تجاهل ثلاثين سنة من النزوات البطولية والغزوات العنترية وملايين الجماجم والأسيد والفرامات، وملايين العراقيين المطرودين في اصقاع الارض.. فيه خيانة للحقيقة؟

رغم بعض المآخذ على الفيلم، الا انه يحسب له انه فيلم وثائقي يشدك كمشاهد من اول لحظة حتى آخر لحظة. وينتزع ابتسامتك في كثير من المواقع ودموعك في مواقع اخرى. وفيه صرخة صادقة نحو السلم والعدالة الاجتماعية. كما ان الفيلم شهادة لصالح الديمقراطية الاميركية (في الداخل طبعا!). فقد قال مور كل ما عنده. وسخر من حكومة بلاده ومن رئيسه (الحالي!)، من دون ان يتهم بالعمالة وخيانة قضايا الامة ومن دون ان يبيت في السجن او (بيت خالته) كما يسميه بعض اخواننا العرب.

فقط قال حريته ومشى..

ملاحظات اخرى: لحسن حظ بوش والادارة الاميركية ان مور انهى تصوير الفيلم قبل فضيحة ابو غريب، مما وفر عليهم فصلا ساخنا.

حدد العمر المسموح به للفيلم بسبعة عشر عاما، نظرا لمشاهد العنف المؤذية فيه، وهي نفس المشاهد التي تنشرها قنواتنا الاخبارية (بكل اريحية!) طوال اليوم. فمتى سنرحم الصغار من جنون الكبار، ونراقب ما ينشر في تلفزيوناتنا؟

* كاتبة سعودية