لا فض فوك يا مستر هاملتون

TT

كما جاء تقريرا هاتون وبتلر في بريطانيا، جاء تقريرا العراق وأحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولايات المتحدة «خفيفي الوطأة» على الحاكمين، ومتشددين على التقصير الاستخباراتي.

المؤسسة السياسية هنا وهناك تعرف حدودها، وتدرك محاذير قطع الجسور وركوب المجهول.

وبما يخص لجنة 11 سبتمبر الأميركية كان بديهياً انها تعمل في ظل 3 حقائق ساطعة:

ـ الأولى، انها تضم ساسة من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ـ الثانية، انها تتعامل مع ظاهرة ـ هي تنظيم «القاعدة» ـ واجهتها واشنطن فعلياً في عهدي ادارتين، ديمقراطية (ادارة بيل كلينتون) قبل احداث سبتمبر، وجمهورية (ادارة جورج بوش «الابن») قبيلها وفي حينه وحتى اليوم.

ـ الثالثة، ان الولايات المتحدة تعيش الآن سنة انتخابية، وبالتالي فأي اتهام مباشر لهذا الطرف او ذاك سيلقي بظلاله على الحملة. وحتى لو تساهل كبير الجمهوريين في اللجنة، أي رئيسها حاكم ولاية نيوجيرزي الجمهوري السابق توماس كين، أو ساعده الأيمن النائب الديمقراطي المخضرم لي هاملتون، ودان تقصير ادارة حزبه في هذه الناحية أو تلك، فالجو العام المحموم الطاغي على الحملة الانتخابية «سيسيّس» التحقيق الذي يتوقع المواطن العادي ان يكون صريحاً ومفتوحاً، لكن المتابع المحنك كان يدرك سلفاً حدود المباح وسقف الادانة.

مع هذا، كحال التقارير الانجلو ـ أميركية السابقة، كانت ثمة تلميحات بين السطور في تقرير 11 سبتمبر، لعل أخطرها توقع استمرار خطر تعرض الولايات المتحدة لاعتداءات ارهابية من التيارات الأصولية الأسلامية.

هذا يعني ضمناً ان «شكل» الحرب الضروس التي فتحتها الادارة الجمهورية الحالية بهدف «تجفيف منابع الارهاب» لم يحقق هذا الهدف، على الأقل حتى الآن، رغم احتلال دولتين أسقطت القوة الأميركية الجبارة حكامهما. ولئن كان مثيراً كيف كانت اللجنة قاطعة في نفي وجود علاقة بين «القاعدة» والحكم العراقي المعزول، فإن الناحية الأجدر بالقراءة، وهي المتصلة مباشرة بمفهوم «الحرب على الارهاب»، كلام لي هاملتون عن الحاجة الى «حوار» مع العالم الاسلامي.

نحن نذكر جيداً مبادرات «العلاقات العامة» المصطنعة الكثيرة عن «التفهم والتفاهم» مع العالم الاسلامي، التي أطلقها غير مرة، مناصرو الرئيس جورج بوش... لتلطيف صورته وتخفيف التأثير السلبي لسياسته الخارجية، وبالذات، حيال العرب والمسلمين. الا ان العارفين ببواطن الأمور يفهمون ان المسألة كلها...«علاقات عامة». فكلمة «حوار» كلمة غريبة تماماً عن قاموس الرئيس وكبار أركان ادارته، وفي طليعتهم عقله الاستراتيجي المفكر كارل روف. وبمناسبة الاشارة الى اسم روف، من المفيد تذكر ما دعا اليه قبل أقل من أسبوعين.

فأمام تجدد النشاط في حملة المرشح الرئاسي الديمقراطي جون كيري، بعد اختياره السناتور جون ادواردز ليكون نائباً له اذا فاز بانتخابات 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، باشر روف اعداد اولوياته لحملة الرئيس بوش. وكما سمعنا وقرأنا، قال روف بصراحة ان على الحملة الجمهورية تناسي الاقتصاد... وتناسي العراق... ووو، والتركيز فقط على كسب الصوت المسيحي الأصولي.

في أميركا اليوم عشرات الملايين من المسيحيين الأصوليين الذين ـ ككثيرين من المسلمين الأصوليين ـ يرفضون «الحوار»، ويكفّرون العدو. وهؤلاء يذهبون أبعد... فيدعون لمزيد من الاحتلالات والاغتصابات، ويتحمسون للابقاء على هيمنة اسرائيل ـ حتى أكثر من حماسة عتاة الصهاينة من اليهود ـ وذلك بأمل التعجيل بيوم القيامة، وتحوّل اليهود المجموعين كلهم في اسرائيل الى المسيحية!

هؤلاء هم الأرضية الانتخابية الصلبة التي يراهن على ولائها المستر روف، وهذا هو «التفهم والتفاهم» الذي يعدنا به..

في أمثالنا الشعبية مثل بسيط رائع يقول «انت بخير طالما جارك بخير»، وهو ينطوي على فلسفة انسانية خيرة يعجز عن هضمها من لا يفهمون السياسة الا قهراً، والتعايش الا بطشاً، والتفاعل الحضاري الا املاء، و«الحوار» الا حوار طرشان.

إن لأميركا من القوة العسكرية الجبارة ما يكفي لإبادة البشرية آلاف المرات، لكن الشعور بالطمأنينة لن يأتي من تشييد الحواجز وتوسيع التحصينات.

لقد صدق المستر هاملتون... لنجرب «الحوار»!