هاتف من غزة

TT

صباح اليوم الذي صدرت فيه هذه الزاوية بعنوان «طباع رجال الاركان» عن الصراع بين الرئيس ياسر عرفات ووزيره السابق محمد دحلان تلقيت اتصالاً هاتفيا من «أبو فادي».

وعندما عرف بنفسه انه «احد المنتظرين في طابور الخلافة» كما لمَّحت اليه، شعرت بالحرج. لكنه قلب الموقف بضحكة عالية وسيل من النكات. وقال: «لقد نسيت وأنت تقول انني خرجت من المخيمات انني خرجت ايضا من سجون اسرائيل. سبع سنوات عجاف. اما انني اشتريت منزل آل الشوا المؤلف من دورين و190 مترا، فهل يعني انه ممنوع على ابن المخيم ان يخرج منه».

قلت له بكل بساطة: « نحن بعيدون عن غزة وغير عارفين بشعابها. ولكنني اتخذ موقفاً مبدئياً خلاصته ان ابو عمار رمز لا تجوز معاملته بهذه الطريقة»، قال: «من منا يعامل ابو عمار بهذه الطريقة؟ اننا نرفض رجاله، فقط الفاسدين منهم. بل اولئك الذين لم يبقوا شكلا من اشكال الفساد الا دخلوه». ثم قال ضاحكا: «هل تصدق ان احدهم قام بمصادره مقبرة؟».

وعدت الرجل بأن اوضح رأيه فور انتهاء السلسلة عن زيارة دمشق. وفي هذه الاثناء وقع حادث مؤلم آخر في غزة، هو محاولة الاغتيال اللئيمة التي تعرض لها نبيل عمرو. وكنت قد اصغيت الى نبيل عمرو في غير مناسبة. وخضت معه حوارات تلفزيونية وخاصة. وبدأنا في الآونة الاخيرة نقرأ مقالاته المنبئة بعد انضمامه الى صفحات «الرأي». وفي كل ذلك كان نبيل عمرو يعترض على ناحية واحدة في سياسة الرئيس الفلسطيني هي السياسة الداخلية وعدم الثقة الا بالأقرباء ورفض توزيع الصلاحيات والمسؤوليات على ثقات آخرين. وكان نبيل عمرو يقول انه لا مظلة رمزية اكثر ظلالاً او فيئاً من مظلة ابو عمار ولكن الرجل اغرق نفسه واغرق السلطة في دوامات الحكم الصغيرة.

وفي السنوات الاخيرة اصبح بعيدا في رام الله عن التفاصيل ولم يعد يطلع على الحقائق كما هي.

ويقول محمد دحلان ان عدم معرفة ابو عمار بالمستجدات هي التي جعلته يقدم على التعيينات التي اقدم عليها وأحرج بها وتراجع عنها. كيف الخروج الآن من الصورة الحالية؟ رئيس وزراء مستقيل برغم بقائه، وهو في اي حال ليس مفوضاً الى حد كبير، وحكومة عائمة، وأجهزة امنية مبعثرة وتهم مريعة بالفساد. لا يمكن للسلطة ان تظل في هذا الوضع، فيما هي محاصرة بالفؤوس والشارونية. واعتقد، متواضعا، ان ابو عمار امام خيارين. اما تأليف حكومة اتحاد وطني تضم اسماء من مختلف روافد الثقة والتمثيل الوطني: حيدر عبد الشافي، ابو مازن، عبد المحسن القطان، حنان عشراوي، نبيل عمرو وكثيرين ممن لا نعرف، واما ان يفعل ما فعله الرئيس حسني مبارك، بأن يأتي بمجموعة من الكفاءات الشابة التي تملأ العالم بقدراتها، وليس صعباً عليها ان تحقق النجاح في ارضها اذا ما اعطيت التفويض.

اما بقاء الوضع متهالكاً ومعلقاً ومجمداً كما هو عليه فهذا اولاً اخلال بالواجب حيال الشعب الفلسطيني. وهذا الشعب يستشهد كل يوم في ارضه ويموت كل يوم في اراضي الآخرين. ولا يستحق نزاعاً وطنياً بل مصالحة وطنية كبرى.