ولا تتردد في تقليص المخ

TT

اشرت بالامس الى حكمة التخلص من الاعضاء الزائدة عن اللزوم في احشائنا. هناك بالطبع اعضاء منفردة وضرورية لعيش الانسان لا يمكن الاستغناء عنها كالمعدة والقلب والكبد. بيد ان الاطباء اهتدوا اخيرا الى عمليات للاستغناء عن جزء منها لفائدة المجتمع. من ذلك مثلا انهم اخذوا يجرون عمليات لمكافحة السمنة والنهمة بقطع جزء من المعدة بحيث تصغر الى الحد الذي يردع صاحبها من الاكثار في الاكل. لسوء الحظ لم تكن هذه العمليات متوفرة في زمن ماري انطوانيت، والا لقالت للجياع فليقطعوا معدتهم بدلا من فليأكلوا الكعك.

هذه عملية لاغية بالنسبة لعالمنا العربي وجماهيره الجائعة. فأين هو الاكل ليقتضي تقليص معدتهم؟ ولكنني وجدت عملية جراحية حديثة ومتطورة جديرة باشاعتها بيننا، لا سيما وان لدينا في العراق الآن رئيس وزراء مختصا بجراحة المخ. المعروف والثابت الآن، ان الاصابة بكثير من الامراض والعلل وبنفس الوقت الشفاء منها، بما في ذلك السرطان، يتوقف على الحالة النفسية وما يجري في الدماغ من تفكير واحاسيس. وترجع هذه الى تلك المنطقة من المخ المعروفة بالسربرال كورتكس. وكان العالم السويدي ماغنوس ركزيز اول من اكتشفها في اواخر القرن التاسع عشر.

بازالة هذه المنطقة جراحيا من مخ المواطن العربي، نكون قد خلصناه من هموم الحياة في الشرق الاوسط. يسمع بأن الامريكان ينوون فتح ابواب العراق للشركات الاسرائيلية العاملة بالنيابة عن الشركات الامريكية، او الشركات الامريكية العاملة بالنيابة عن الشركات الاسرائيلية، يسمع بهذا التخطيط لضخ النفط الى حيفا بدلا من تركيا او سوريا، يسمع بكل ذلك وبما يفعله العراقيون والعرب عموما في تبديد ثرواتهم وتدمير مستقبلهم، فلا يهمهم الهم ولا كأن الموضوع يعنيهم بشيء من قريب او بعيد.

هذا ما نحتاج اليه. لا نحتاج لرفع المستوى الصحي لشعبنا وبلادنا الى مكافحة الذباب والبعوض والبلهارسيا، وانما نحتاج لحملة مكثفة لمكافحة الهموم والتفكير. بدلا من اخذ المولود لتطعيمه ضد الجدري والحصبة، نأخذه الى جراح يستأصل السربرال كورتكس من مخه فيقضي حياته سعيدا هانئا راضيا منيعا ضد كل الامراض، لا يفكر بشيء، ولا يعنيه شيء، ولا يزعجه شيء، لا يشعر بالخجل ولا العيب ولا الشعور بالذنب، تماما مثل معظم قادتنا وزعمائنا الذين ولدتهم امهاتهم بقدرة القادر بدون سربرال كورتكس. لهذا تراهم لا يمرضون. انظروا الى صدام حسين. اي رجل آخر غيره لمات منذ سنين بالسكتة او الجلطة او القرحة او الآكلة. ولكن ها هو يحضر المحكمة في اتم صحة وعافية.

وهذا ما اقوله. كان هناك زمان احتاجت فيه الشعوب العربية الى التفكير. لقد تجاوزنا هذه المرحلة الآن فأصبح ما نحتاجه بالضبط هو عدم التفكير. فبهذا على الاقل نستطيع ان نضمن حسن صحتنا وراحة اعصابنا. وفي هذا الاطار ما نحتاجه اليوم هو مستشفيات لجراحة المخ تتخصص في استئصال الجزء المسؤول عن التفكير والاحساس. وهذا عمل سيوفر للدولة، الكثير من الموارد. فبه ستقل الامراض ويتيسر الشفاء وتنتفي الحاجة لاستيراد الاسبرين والمهدئات ومضادات الكآبة وادوية المعدة. لا احد سينتحر او يجن او يهاجر او يطلق زوجه او يطالب بأي شيء.

مجتمع سعيد لا احد فيه يفكر او يبحث عن مدبرز