حرب ... ومهلة

TT

انتهت المهلة الاستثنائية التي منحتها القيادة السعودية لعناصر الفرقة الإرهابية لتسليم نفسها. ولقد استجاب من استجاب لتلك المهلة وبقي آخرون رافضين وهاربين. ولقد أصيبت تلك الفئة الإرهابية بعدد لا بأس به من الخسائر المعنوية المهمة في الفترة الأخيرة ونالها الشيء الكثير من الغضب والسخط الشعبي، أدى إلى تعاون كبير ما بين الكثير جدا من أبناء البلاد من مواطنين ومقيمين تحققت من خلاله نتائج ايجابية مهمة ولافتة.

وفي كل خطاب من خطابات ولي العهد السعودي عن موضوع الإرهاب هذا، كان يحذر وبشدة ممن يدعمون ويؤيدون ويساندون تلك الفئة الارهابية. وهذه الفئة المؤيدة لا تزال بطبيعة الحال بيننا، وهي فئة بدون أسماء ولا صور للمنتمين اليها، وبالتالي لا يمكن الاعلان عنها وملاحقتها كالفرقة الارهابية، ولكن ضررها معروف ونتائجها مدمرة، ولا تقل خطورة عن الفئة التي تلجأ للعنف والارهاب. الدعم الفكري والمعنوي والعاطفي هو الذي يهيىء التربة لتلك الفئات أن تنمو وتكبر وتترعرع، لتنشر الذعر والدمار. واذا كانت الحرب على الارهاب التي تخوضها السعودية اليوم ظاهرها هو ملاحقة مجموعة من الأشخاص بأسماء وصور، فهذه هي الجولة الأولى، ولكن تبقى الجولة الأطول والأهم وهي الحرب على التعاطف والحرب على الأفكار المؤيدة لكل ذلك الضلال والتطرف والغلو والفساد الفكري الفظيع. أفكار بنيت على قراءات وتفسيرات وآراء مريبة وجاهلة، منحت لنفسها الحق في الافتاء والتكفير والحكم المطلق على الحلال والحرام وصنعت بالتالي «عالما» افتراضيا بعيدا تماما عن الروح السمحة للدين الاسلامي العظيم، الذي جاء رحمة وهدى للعالمين، ولم يأت للدمار والارهاب والتفريق. المعركة الفكرية هي أطول وأخطر وأدق فهي ستشمل الاعلام ومنابر المساجد والمدارس والجامعات، وكل مجال أو موقع اخترق، وتمكن منه هذا الرأي الأحادي المتطرف وانفرد به. مطلوب تحرير العقل والقلب من تلك الآفات واطلاق الشباب نحو رؤية اسلامية سوية مبنية على التسامح وإحسان الظن.

هذه المواجهة الفكرية تهمنا وتعنينا جميعا، فلم يعد مقبولا السكوت وقبول ما يحدث من تلوث فكري وإقصاء مكرس للآخر على أنه حق وصحيح، بل على العكس لا بد من مقاومته بكل الوسائل، لأن هذا الأمر تحول الى سرطان متوحش ينهش في الجسد ويدمره بكل الوسائل والطرق. الدماء البريئة التي نزفت على الأراضي السعودية لا يتحملها فقط كل من حمل السلاح وأطلق الرصاص وأعد المتفجرات، ولكن يتحملها أيضا كل من أدلى بفتوى مضللة أو كتب كتابا مضللا، أو ساند أو أيّد ذلك الفكر المنفر المرهب المدمر، الذي لم يأت الا بالذعر والرعب والدماء والتفريق، والاسلام من كل ذلك براء. الحرب على الارهاب مسؤولية الجميع، ونحن لا نزال في الجولة الاولى منه ومسؤولية انجاح هذه الحرب تقع على عاتق الجميع.