آخر نكتة

TT

أصعب شيء في الإبداع هو أن يبعث المبدع الابتهاج في جمهوره، (فالدراما) مثلما يقولون هي لعبة مضمونة، فلدى كاتبها ومخرجها ومؤديها في المسرح مثلاً، ما لا يقل عن ساعة ونصف الساعة لكي يؤثروا في الجمهور، في حين أن (الكوميديا) أشد صعوبة، لأن هناك ناقدا فوريا هو الضحك، وحالما يبدأ المؤدي بالتمثيل، فإما أن يسمع ضحكاً، وإما أن يسقط في الامتحان (على طول).

كذلك أيضاً (الكتابة).. فالكاتب السياسي أو الفلسفي أو المتخصص في علم من العلوم، له أن يستخدم كل المفردات التي تخدم فكرته أو طرحه دونما حرج.. غير أن الكاتب الاجتماعي الذي يحاول أن يدخل (البهجة) على القارئ ـ إن صحّ التعبير وهناك احتمال كبير أنه لا يصح ـ أقول فرضاً: ان ذلك الكاتب محاصر بين (اندفاعه) و (شكم) نفسه، بين حبه للناس،

و(شرشحتهم)، بين تلقفه لكل المفارقات الكثيرة، وتوظيفها توظيفاً صحيحاً، بين التفاصيل أحياناً، واللمحة الخاطفة السريعة.. إن ذلك كله عبارة عن (فن) مرهق مكلف، بل ومزعج في كثير من الأوقات.

فقد يضحكني ما لا يضحك غيري، وقد يؤلمني كذلك ما لا يؤلم الآخرين، وقد افتح للناس قلبي كأي (سعدان)، في الوقت الذي هم فيه يضحكون على خيبتي كأي فاشل لم يستطع أن يملأ صدورهم بالفرح.

عن نفسي أقول: إنني لا أقبل أن انتزع الناس من أسرّتهم إذا كانوا من عشاق النوم أبداً.. ولا أقبل أن أجر بعض الناس إلى شرب الماء قسراً إذا كانوا من سلالة الخيل أو البغال.. ولا أقبل أن ألعب ما بين الشوطين، أو أكون احتياطياً.. ولا أقبل ـ وهذا بكل تأكيد ـ أن يشاركني في معشوقتي حتى ولا (ابن ماء السماء).

لهذا درجت دائماً على العزف وحيداً، وقبلت أن أراهن نفسي بنفسي بدون أي حلبة سباق، أو طاولة (روليت)، وعسفت الأيام عسفاً (كرمال عيوني)، ورضيت الحب منهجاً وطريقاً، وقاتلت عفاريت الظلام بكل ما أملكه من (فلاشات)، وهمت في اصقاع الحياة كأي ذئب فلاة، متنقلاً من سراب الى سراب، ومن جبل إلى جبل لا يعصم أحداً من الطوفان أو الغرق.

انني لا اضحك من الدنيا، لكنني اضحك عليها، ولا أبكي منها ايضاً، لكنني أبكي عليها.. متفطّر قلبي، ومقروحة عيني، ومع ذلك كله اتهلل أمام الآخرين وكأن ليس هناك في هذا العالم إنسان مسرور غيري!

يخطئ البعض إذا اعتقدوا أن أيامي كلها اقضيها كأي مودع لكؤوس (الشربات)، وانني اتصيّد (آخر نكتة)، وان الذي يبتسم في هذا الزمان الأغبر هو مجرد (مهرّج).. وأن، وأن، وأن، وما أكثر هذه الـ(أن).

قال بعضهم: «إن الناس من صعوبة البكاء يضحكون»، وأنا أقلب تلك الجملة وأقول: إن الناس من صعوبة الضحك يبكون أحياناً.. بل (ويلويهم اللاوي) ولا يشعر بهم أحد.

ويا ليتني كنت مثل صخرة (المتنبي): لا تحركني تلك المدام ولا تلك الأغاريد.. المشكلة انها (تحركني).