إسرائيل في العراق!

TT

لم يمرر المؤتمر الاخير لدول جوار العراق اقتراحا سوريا بالاعراب عن القلق تجاه ما يقال انه وجود اسرائيلي في كردستان العراق.

وعدم التمرير مردّه ليس الى غضبة عارمة وموجة سباب مقذعة وسافرة وحملة ابتزاز وتهديد ووعيد من وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، كما كان يفعل وزراء صدام حسين في المؤتمرات العربية، فلا النظام العراقي الجديد يماثل النظام المخلوع ولا الوزير زيباري الدمث الاخلاق ـ كما اعرفه منذ زمن طويل ـ يقارن به، بأي حال، وزراء صدام الذين كان رئيسهم يختارهم ممن هم على شاكلته في سوء الاخلاق. الاقتراح السوري لم يُمرر لانه لم تكن هناك وثائق تثبته وادلة تؤكده، والا لكان الوفد الايراني قد استغلها فرصة ثمينة لتصفية حساباته مع الاكراد وتجربتهم في الادارة الذاتية لاقليمهم في العراق، وهو ما تنظر اليه طهران ـ كما انقرة ـ بحنق وغيظ.

الوجود الاسرائيلي في كردستان العراق اخترعته كذبة تركية ربما انطلقت من جهاز حكومي تركي يعرف ما يريد كجهاز الاستخبارات (ميت) سيئ الصيت.. يعرف ان بعض العرب ينافسون الطورانيين الاتراك في شوفينيتهم تجاه الاكراد خصوصا. وقد نجح هذا الكذّاب التركي نجاحا هائلا بدليل انه جعل اكثر الحكومات العربية قربا من الشأن العراقي واهتماما به تبدو مصدقة للكذبة.

لندع مؤتمر القاهرة، ولنفترض جدلا ان الكذبة التركية التي صدّقها بعض العرب اكثر من الاتراك ليست كذبة، وان اسرائيل قد نجحت في انشاء موقع قدم لها في كردستان العراق. والسؤال: لماذا يفعل اكراد العراق هذا؟ الجواب بالطبع ليس لان الاكراد واقعون في غرام دولة اسرائيل ولا لانهم ابناء عمومة اليهود مثلنا نحن العرب. الجواب المنطقي على هذا السؤال الافتراضي هو ان الاكراد يرون في تقديم خدمة لاسرائيل على ارضهم مصلحة لهم وفائدة تلقوا تأكيدات من اسرائيل بتحقيقها. والسؤال المنطقي: لماذا تسعى اسرائيل لطمأنة الاكراد الى مصالحهم ولا نفعل، نحن العرب، الشيء نفسه مع الاكراد؟ لماذا نترك جيراننا وشركاءنا في الوطن واشقاءنا في الدين لكي يحصلوا على تطمينات لمصالحهم ممن نعتبرها عدوتنا اللدود؟

مر نحو عام ونصف العام منذ ان خرج العراق من محنته الطويلة مع نظام صدام وانزلق الى مهاوي محنة جديدة هي محنة الاحتلال واعمال الارهاب، فما الذي فعله العرب لمساعدة العراق على الخروج العاجل من هذه المحنة؟ ما الذي قدموه غير حملات التشكيك والتخوين... غير تحريض الارهابيين ـ واحيانا تقديم التسهيلات لهم ـ على المزيد من سفك الدماء العراقي وتخريب الممتلكات العراقية وبخاصة منشآت البنية التحتية؟

دول اجنبية بعيدة تقدم القوات والاموال وتبعث السفراء الى العراق لمساعدته على الوقوف في وجه الارهاب ولاعادة بناء ما دمرته حروب صدام. اما العرب فلا يتبدون للعراقيين سوى شامتين او، في احسن الاحوال، متفرجين على احداث تجري في جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ مثلا.

سورية اعلنت اخيرا انها سلّمت الكويت عددا من مواطنيها الذين كانوا قد تسللوا او حاولوا التسلل عبر اراضيها للقيام بعمليات ارهابية في العراق فاحسنت صنعا كما احسنت بجعل اذاعتها الحكومية تعلق على زيارة رئيس الوزراء العراقي اليها مباركة ومؤكدة اهمية الزيارة ومتحدثة عن وجوب ان يقف العرب الى جانب النظام العراقي الجديد لمساعدته في اعادة الامن والاستقرار واعادة الاعمار والخلاص من الوجود الاجنبي. فهذا الموقف توقعه العراقيون وانتظروه منذ العام الماضي من دمشق التي كانت ـ كما الشعب العراقي ـ من اوائل واكثر المتضررين من نظام صدام، لكي تحتفظ سورية بالرصيد الطيب الذي كونته لنفسها على مدى اكثر من عقدين في قلوب العراقيين وبخاصة ضحايا نظام صدام.