نصر مؤجل.. إلى إشعار آخر

TT

السباق الذي سيستمر ثلاثة أشهر بين جورج بوش وجون كيري، ستمتد معاركه إلى خمسين ولاية أميركية، وسيبدأ ببداية الأسبوع الحالي. ولكن سباق الفوز بالكنز الرئاسي ستكون له آثاره المباشرة في ميادين القتال الحقيقية بالعراق، فيما قد لا تكون هناك علاقة مباشرة وبينة ومعترف بها بين مصائر المرشحين واستراتيجية أو عدد ضحايا القوات الأميركية في العراق. فلا بوش ولا كيري بإمكانهما الإنحدار إلى مستوى المتاجرة الحزبية بقضية هي الأكثر تعقيدا في كل الساحة الوطنية، ولكن العلاقات تخلق نفسها وخاصة في أذهان المواطنين العراقيين الذين يحسون أنهم أصبحوا مواضيع للسياسة الأميركية وليس قوة حافزة للتدخل الدولي. وإذا كانت الأحداث الأخيرة تعتبر دلائل يمكن الاعتماد عليها، فإن المدنيين العراقيين الأبرياء سيتحملون العبء الأكبر من الخسائر في هذه الحرب الدائرة، بينما تسعى القوات الأميركية لتفادي أية معارك خلال الشهور الثلاثة المقبلة.

ثمة ثلاثة تطورات حدثت في تعاقب سريع في أبريل (نيسان) الماضي، ترجح هذا الاحتمال وربما يكون من نتائجها تغيير مجرى الحرب في العراق، على الأقل حتى إجراء الانتخابات، وهي:

أمرت القوات الأميركية بمهاجمة مواقع المقاومة السنية والشيعية لمنع انتشار التمرد، مما أدى مباشرة إلى ارتفاع نسبة الضحايا من القوات الأميركية بنسبة كبيرة فوصلت إلى 134 قتيلا في ذلك الشهر. وقد أدى هذا بدوره إلى انخفاض نسبة التأييد للحرب وسط الجمهور الأميركي بصورة حادة عندما احتلت معارك الفلوجة والنجف وكربلاء عناوين النشرات الإخبارية. وقد قادت هذه التطورات إلى عقد اجتماع بالبيت الأبيض عبر فيه الرئيس بوش عن قلقه الشديد لمساعديه، حول نسبة الضحايا الأميركيين وحول المذابح الدائرة بين العراقيين أنفسهم، كما أذاعها مراسلو القنوات الفضائية العربية من داخل الفلوجة مثلا. وقد صرح بهذا اثنان من المسؤولين الأميركيين. فقاد ذلك الى إيقاف الحملة الهجومية التي كانت تقوم بها قوات المارينز بعد ذلك الاجتماع، وذلك قبل أن تبلغ غايتها المتمثلة في تدمير مواقع المتمردين داخل الفلوجة، فيما تم نقل مسؤولية الحفاظ على الأمن من الناحية النظرية، إلى قوات الأمن العراقية. ولكن قائد القوات الأميركية في العراق ريكاردو سانشيز، قال وهو يغادر العراق، إن الفلوجة تعتبر حرما آمنا للإرهابيين، كما أن التقارير الإخبارية تصف الوضع في الجيوب السنية حول بغداد، بعبارات مشابهة. واضافة الى ذلك صرح الليفتنانت كولونيل جيمس ستاكمو، إلى مراسل «واشنطن بوست» دوغ ستراك الأسبوع الماضي قائلا:

«إنها مثل نظرية الورقة الطافية على الماء. الفلوجة تصدر نفسها إلى سامراء التي تصدر نفسها إلى المواقع التي تليها». وقال ضابط الاستخبارات إن قيادته لن تسمح لسامراء لتصبح وكرا للإرهابيين. ولكن القوات الأميركية تعمل الآن تحت قيود محلية تجعل من غير المحتمل، بل ربما من المستحيل، على القوات الأميركية أن تقتحم المدن العراقية أو تدمر الأحياء العراقية. وقال:

«الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء إياد علاوي لها ما يشبه الفيتو، وهجوم القوات الأميركية على المدن العراقية ليس جزءا من استراتيجية علاوي»، الذي يحاول كسب تأييد البعثيين السابقين وغيرهم من المتمردين عن طريق العفو. ويأمر علاوي بتنفيذ هجمات على مواقع الإرهابيين الأجانب بالفلوجة، محذرا المواطنين من أن السيف يمكن أن يقع على رقابهم إذا لم يطردوا هذه العناصر الأجنبية، وإذا لم يقبلوا السلطة الحالية في بغداد.

إن نقل مزيد من الصلاحيات إلى العراقيين، وهي السياسة التي كانت تقاومها إدارة بول بريمر المحلولة، أمر صحيح وضروري. ولا يمكن لأحد ألا أن يكون سعيدا لانخفاض عدد الإصابات وسط القوات الأميركية بعد التي اعقبت تغيير التكتيكات ونقل السلطة، فعدد الضحايا من القوات الأميركية في يوليو (تموز) يتوقع أن يكون ثلث ضحايا أبريل. ولكن عدد الضحايا وسط قوات الشرطة العراقية ووسط المواطنين العراقيين، ترتفع بمعدلات بشعة. ويقدر الصحافيون في بغداد هذه الإصابات بأنها ربما تبلغ ثلاثة أضعاف الإصابات الأميركية في شهر يونيو «حزيران». ولن يمر وقت طويل قبل أن يتساءل العراقيون عن أخلاقية التغييرات التكتيكية التي تترك المتمردين أحرارا تقريبا ليوجهوا ضرباتهم بينما تقبع القوات الأميركية في ثكناتها.

ولكن هذه ليست القصة كلها، فالهجمات الأميركية على قوات مقتدى الصدر الشيعية، انتهت لأنها انتصرت على تلك القوات انتصارات كبيرة، فقد قتلوا ما بين 1000 إلى 2000 من القوات المتمردة، ومن يومها والجنوب يسوده الهدوء. ويمكن لبوش أن يشير إلى مثل هذه التطورات لينتقل من تأكيداته المتجهمة أن معركة العراق «يمكن» أن تكلل بالنصر، إلى تأكيدات واثقة بأن الحرب في العراق قد تحقق النصر فيها. ولكنه يجب ألا يعطي انطباعا، أو ينخرط عمليا في هدنة تمليها الانتخابات، تدفع القوات الى الإحجام عن مهاجمة الإرهابيين في معاقلهم الحصينة. وقد استغل الإرهابيون الوضع في الفلوجة لينظموا صفوفهم وينشروا وجودهم في أماكن أخرى. ولا يمكن للنصر في العراق أن يتحقق على هذا النمط.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»