بكين تتقدم للمنافسة

TT

هناك مارد اقتصادي ينطلق من آسيا الآن هو الصين. مارد عملاق لم تحسب له الإدارة الأميركية حساباً، فقد انشغلت بأفغانستان والعراق. ولأن المؤشرات الاقتصادية مما لا يرتاح له القارئ، فسوف نبتعد عنها قليلاً، وبقدر الإمكان، ونقول بشيء من التبسيط، ان هناك تحولات رئيسية في الصين. فإذا علمنا ان الاقتصاد الأول في العالم هو الأميركي، وأن الثاني هو الياباني، والثالث هو الألماني، فإن اقتصاد الصين سيبلغ ضعف الاقتصاد الألماني خلال السنوات الست المقبلة، وأكبر من اقتصاد اليابان في عام 2020، وسوف ينافس الاقتصاد الأميركي في عام 2041 إن لم يتفوق عليه.

فالصين هي محرك النمو التجاري في العالم. فهي مارد عملاق، وأسرع اقتصاد ينمو في العالم. إذ يمتص الوظائف من الغرب بانجذاب المستثمرين الأجانب إليه. فإذا علمنا ان معدل النمو الاقتصادي البالغ ما بين 2 الى 3%، هو معدل مرتفع، فما بالك بمعدل النمو السنوي لاقتصاد الصين الذي يبلغ 7,9% مقابل 5ر4% لليابان، إن حجم الانتاج والاستهلاك هائل في الصين، ذلك ان شهية الصين مفتوحة لاستيراد المواد الخام بجميع أنواعها، انها تطلب كل شيء: الخشب، خام الحديد، النحاس، القمح، الطاقة، الغذاء، والسيارات.

في عهد رئيس الصين الأسبق، ماو تسي تونغ، كانت الصين تعتقد أن القوة تكمن بما يمتلكه البلد من سلاح. أما اليوم فيعتقد قادة الصين أن الدولة تقوى أيضاً من التجارة. فاليابان وكوريا الجنوبية مثلاً، تسعيان الى إرضاء الصين، ولا تعترضان على المواقف الصينية، كما كان يحدث من قبل، لأن الصين أصبحت عنصراً هاماً لنمو اقتصاد بلديهما، حتى لو تطلب الأمر معارضة واشنطن. بعبارة أخرى، الإدارة الأميركية ما تزال تعتقد ان الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم ذي القطب الواحد. أما طوكيو وسيؤول فلا تتفقان معها في هذه النظرة، وتعتبران أن أميركا والصين معاً قوتان عظيمتان في قارة آسيا.

الدليل على هذا التحول الجوهري، هو ظهور الصين المتزايد كلاعب حاسم في حل الأزمة النووية في كوريا الشمالية. فقبل أقل من خمس سنوات، لم يتخيل أحد أن تعارض اليابان وكوريا الجنوبية أميركا في المسائل الأمنية الهامة. كل ذلك مرده رابط التجارة مع الصين. بل لقد ذهبت اليابان أبعد من ذلك، في الحديث عن تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية في السنة المقبلة.

تمسك الصين بمفتاح السلام، والحرب في شبه الجزيرة الكورية. فهي تريد لهذه المنطقة أن تخلو من السلاح النووي. فكوريا الشمالية تـتباهى بامتلاكها الأسلحة النووية. وقد تهدد الوضع في المنطقة. وهي بذلك تهدد المصالح الصينية. فهناك علاقات اقتصادية مزدهرة بين الصين وكوريا الجنوبية منذ نهاية الحرب الباردة. ان هذه الاستفزازات من جانب كوريا الشمالية، قد تدمر الاقتصاد الصيني وتهدد الصين نفسها. لذلك مارست الصين ضغطاً عليها من خلال الامتناع عن تزويدها بالنفط، ودعتها الى طاولة المفاوضات في بكين، في ابريل 2003 من العام الماضي.

هنا، نرى ان نفوذ الصين العالمي يزداد، فيما ينحسر النفوذ الأميركي. فأميركا كانت تهيمن على منطقة آسيا خلال الستين عاماً الماضية، لكن نفوذها تضاءل الى حد ما، لا تستطيع معه ان تفرض سياسة متشددة تجاه كوريا الشمالية، من دون دعم من حلفائها. لذلك اقترحت الولايات المتحدة جولة مباحثات تشترك فيها مع الدول الخمس المجاورة لكوريا الشمالية، وذلك لحاجة أميركا الى مساعدة الصين حتى تكبح الاهداف النووية لكوريا الشمالية. ففي شهر يونيو الماضي، تقدمت أميركا بالاقتراح الذي يدعو كوريا الشمالية الى التخلي عن برامجها النووية، في مقابل ان تستأنف الدول المجاورة (روسيا واليابان وكوريا الجنوبية والصين) شحن النفط اليها، شرط الا تغزوها قوات الولايات المتحدة. وهناك اجتماع آخر يضم الجميع في سبتمبر المقبل.

القوة الاقتصادية للصين، تعني أنها أصبحت أحد أكبر ثلاثة اقتصادات في شرق آسيا. هذا الوضع جعل بعض الدول الآسيوية، يشعر انه لن يخسر كثيراً بالابتعاد عن الولايات المتحدة، والبعض الآخر لا يود أن تملي عليه أميركا التعليمات.

هكذا ساهمت هذه المؤشرات الاقتصادية في قوة الصين. فهل كانت الصين بدونها ستبلغ هذه القوة السياسية؟

* كاتب كويتي