ولكن الأمر أعجب من ذلك ..!

TT

يجب أن يمنح أساتذة التاريخ تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر أعلى درجة تقدير باعتباره سردا تنويريا لمسار الأحداث الخاصة بهذا الملف. مع ذلك فإن التقرير يحتوي على فجوات في المفاهيم تحتاج لجهد آخر، بشكل مكثف، كي يتمكن معدوه من تنعيم الحواف الحادة فيه والمعنية بالسياسة والاستراتيجية القوميتين، فاللجنة المعنية بالتحقيق كررت ما توصلت إليه لجنة مجلس الشيوخ حينما وضعت إصبعها على الأسباب الكامنة وراء الأداء التعيس لوكالة الاستخبارات المركزية والوكالات الحكومية الأخرى في محاربتها للقاعدة والأعداء الآخرين.

لكن كلا التحقيقين يدوران بحذر حول سؤال مركزي يتعلق بما يسمى بالهجمات الاستباقية أو الحرب الوقائية، وفيما إذا كان من اللازم أن تلعب دورا في حماية أميركا من المنظمات الإرهابية. والى ذلك فاللجنة التي قامت بكتابته تمنح تفويضا إلى أي إدارة مستقبلية كي «تهاجم الإرهابيين ومنظماتهم» وأن لا تسمح بوجود أي ملاذ لهم، وهي استنتاجات منطقية، خصوصا أن الفشل الذي واجه إدارتي كلينتون وبوش يكمن في أخذ إجراء استباقي فعال لمنع تنفيذ خطة هجمات 11 سبتمبر التي تم رسمها في كهوف أفغانستان.

غير ان اعضاء اللجنة التزموا الصمت حول كيفية تحقيق ذلك، أي حول الاجراءات المحددة لتحقيق هذه الاهداف. كما صمتوا تماما بخصوص الحروب الوقائية، وهو مفهوم اساسي في استراتيجية ادارة بوش للأمن القومي ، فيما ذكر عضو الهيئة جامي غورليك للصحافيين ان نظرية وممارسة الحرب الاستباقية منعت عن عمد من المناقشات وراء ابواب الهيئة المغلقة في محاولة ناجحة لتجنب الجدل الحزبي ، والى ذلك ثار سؤال حول ما إذا كان لاعضاء الهيئة مناقشة الاسئلة الرئيسية لمبادئ وتكتيكات الامن القومي في اجتماعات خاصة ووسعوا لموقف مشترك هنا: اعتقد ذلك.

غير ان النقطة الاهم التي تفادتها تقارير مجلس الشيوخ وتقارير الهيئة تأتي من عدم الرغبة في القاء نظرة مباشرة على العواقب الناجمة من اهم اكتشافين لهما.

فقد وجد كل من التقريرين ان أميركا تواجه تهديدات خطيرة من شبكات ارهابية عالمية ـ وليس لديها منظمة استخبارية قادرة على تقديم معلومات استخبارية واضحة بخصوص التهديدات التي يطلبها أي قائد لاتحاذ قرارات تتعلق بالحياة او الموت.

غير ان التقريرين نافعان كوسيلة لاكتشاف الحقيقة. فقد قضيا على الادعاءات المبالغ فيها بأن فشل الاستخبارات بخصوص 11 سبتمبر والعراق كان نتيجة لتلاعب سياسي وضغوط سواء من ادارتي كلينتون او بوش، او من جانب العراقيين المنفيين. وتبين ان المتهم الاساسي هو «التفكير الجماعي» وغيره من اشكال التقارير الخاطئة والتحاليل من الوكالات نفسها حول العراق، وعدم قدرة حكومتنا على تبادل المعلومات الداخلية ومتابعة المعلومات حول القاعدة قبل 11 سبتمبر. ولكن الهيئة، وبتحديد تفاصيل الماضي، لم تلق اضواء على المستقبل. فدعوتها الى مدير للاستخبارات على المستوى القومي لاصلاح المشاكل يمكنها ان تزيد من المشاكل.

ان وجود مشرع واحد يشرف على تلك العمليات على مستوى الحكومة يمكن أن يخلط ويفسد الوظيفتين بصورة أكبر مما فعل صعود مدير CIA السابق جورج تينيت الى موقع المحلل المرافق للرئيس بوش ، والى صوت هام، وان كان مخفيا في صنع السياسة. والى ذلك جرت أخيرا الاشارة الى المخاطر على الحريات المدنية، ومن وجود قيصر استخباراتي بشكل واضح في الأيام الأخيرة ، ومن عجب أنها جاءت من جانب كاتب العمود المحافظ ويليام سفاير بصورة تفوقت على ما فعله الليبراليون الديمقراطيون في مؤتمرهم الأخير ببوسطن.

وأخيرا فدفاع بوش المستمر عن الضربات الاستباقية واستخدام الديمقراطيين للغة حمالة للأوجه في برنامجهم، يتجنبان واقعا اكثر تعقيدا.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط».