من ناجي إلى نبيل

TT

من لندن الى رام الله، عشرون عاما مرت على اخطاء في المعسكر الفلسطيني. لم يشف من الصدمة والألم من عايش نبأ الجريمة القديمة التي أردي فيها الرسام المعروف ناجي العلي قتيلا في احد ميادين لندن، ولا الجريمة الجديدة التي بترت ساق وزير الاعلام الفلسطيني السابق نبيل عمرو. الأول راح ضحية رسوم احتجاجية والثاني ثمنا لتصريحات طالب فيها بتطبيق النظام ولم تتجاوز حدود الاحترام والمسؤولية.

اعتراضات لم تكن ضد شخص الرئيس ياسر عرفات او اجهزته او كبار موظفيه، بل حالة احتجاج تهدف الى حماية الحركة والدولة والناس. رفاق الرئيس يخوفونه بانها محاولة انقلاب عليه، وخصومه يعرضون الاحتكام الى ما وقع عليه وتعهد به من احترام التشريعات ونقل الصلاحيات للحكومة. احترام النظام فيه حماية للرئيس وصيانة لشرعية السلطة ومرجعية البرلمان ضد الفوضى والتمرد والانقلاب من داخلها او خارجها.

محاربة اسرائيل لم تكن قط مهددة بحد ذاتها كحركة كونها نتيجة طبيعية لمواجهة الاحتلال، ولو لم توجد «فتح» لظهرت «فتح» غيرها، وهو ما حدث مرات، ولو لم يوجد عرفات لولد عرفات آخر. المقاومة لم تكن مشروعا يساريا او يمينيا او دينيا يخشى عليه، بل رد تلقائي وبالتالي تخويف الجميع بان المطالبات الحالية هدفها دفع الفلسطينيين للتخلي عن حقهم في الدفاع عن ارضهم. حديث لا يستقيم مع التاريخ والمنطق. بل لا نعتقد ان هناك من يريد ان يفرط برموز السيادة ممثلة في الدولة وأجهزتها، ولا بتحطيم الزعامة. ولا يوجد هناك من يريد للفوضى ان تضرب بأطنابها، لا من قبل المتمردين ولا اطراف السلطة المتمسكين بمواقعهم، من دون ان ينفي هذا ان الشرعية والشعبية تجاه النظام السياسي عرضة للتآكل بسبب ما يحدث.

وطالما ان ابوعمار واركان السلطة هم من وقعوا على قوانينها وارتضوا هيكلها، وجب ان ينفذوا التزاماتهم، لا ان يترك الأمر لكرم الرئيس او شجاعة خصومه. الآن موقف القيادة الفلسطينية ضعيف لسبب واحد فقط يتمثل في عدم شرعية امتيازاتها، فصلاحيات الأمن المحفوظة في دار ابوعمار قانونا تتبع حكومة رئيس الوزراء، ولأن هذا الشق عطل صار سهلا ان يرفع علم العصيان كل من اراد عن حق او باطل. وها هي النتيجة فوضى، من عمليات خطف ومواجهات وضحايا ومظاهرات واعتصامات وحرق مواقع رسمية ونشر غسيل على الملأ. والمحتجون ليسوا جميعا فوضويين، بل يوافقهم معظم اركان النظام، رئيس الوزراء والمجلس التشريعي والقيادات الأمنية والمقاتلون. مطلبهم مشروع، على الرئيس ان يطبق النظام، بنقل السلطات، كما وافق ووقع واعلن من قبل ولم يف بعد. النظام ينص على ان الصلاحيات الأمنية جميعها تتبع وزارة الداخلية ووزارة الداخلية تتبع رئيس الوزراء، وتعطيل تنفيذه طال ضرره الجميع بمن فيهم الرئيس نفسه وأوصل الى فتنة خطيرة.