«فدائيو صدام» يدمرون.. و«فدائيو القذافي» يتوعدون..!

TT

يقوم «فدائيو صدام» بواجبهم الذي أُعدوا من اجله خير قيام، فها هم يقتلون ويضربون ويهربون ويدمرون، ولا يغضبهم ان تنضم اليهم عصابات الخطف من اجل المال والسلب والنهب، وخلايا المخابرات الاقليمية التي لا علاقة لما تقوم به بدحر القوات الاميركية الغازية، وايضا مجموعات «القاعدة» و «أبو مصعب الزرقاوي» وكل الذين هربوا من بلدانهم وجاءوا الى العراق تحت ضغط عقد نفسية ومفاهيم خاطئة وتصورات مريضة.

والآن، وبينما يفعل «فدائيو صدام» ما يفعلونه في العراق، وبينما اصبحت جرائم «الجنجويد» في اقليم دارفور في السودان حديث العالم كله، يثبت ان «لا احد افضل من احد»، وان الاخ قائد الثورة العقيد معمر القذافي له فدائيوه ايضا، والذين لا يسمحون بالاشارة اليه، ولو مجرد اشارة، حتى من قبيل العتب والنقد البناء، وذلك رغم انه طوى صفحة العروبة والمؤتمرات الشعبية واللجان في كل مكان.

انه أمر في غاية الطرافة، فقد صدر بيان قبل أيام، يحمل توقيع فدائيي العقيد القذافي، يتوعد كل من يحاول إثارة موضوع اختفاء الإمام موسى الصدر خلال زيارته الى ليبيا، قبل ان تصبح الجماهيرية العظمى، بأنه «سيدفع الثمن غاليا.. فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه او تجاوزه.. ونحن من جهتنا نحذر كل من تسول له نفسه التطاول على الجماهيرية وعلى قائدها، وقد اعذر من انذر، وان غدا لناظره قريب»!!

ولعل ما يجب قوله قبل الحديث عن قضية اختفاء الصدر ورفيقيه، ان اول جهة يجب ان تستنكر هذا البيان وترفضه وتندد بالذين اصدروه هي ليبيا، اذ انها بقيت تبذل جهودا مضنية بقيادة «الاخ قائد الثورة» ودفعت ثمنا ماليا باهظا لاقناع العالم والولايات المتحدة بأنها تخلصت من كل ماضيها، القريب والبعيد، بما في ذلك هذه اللغة التي تضمنها بيان الذين يدعون انهم «فدائيو القذافي».

اذا سكتت ليبيا على هذا البيان الذي تمثل مفرداته ولهجته أسوأ نزعات التطرف والارهاب، فإنها ستقدم دعوة مجانية للذين يتربصون بها ويضمرون لها كل شر، ليعودوا الى النبش في ملفاتها القديمة، وليثيروا من جديد ومجددا قضايا الجيش الجمهوري الارلندي واستضافة صبري البنا (أبو نضال) لسنوات طويلة، واستخدام بعض الفصائل التي تعتبر نفسها فصائل فلسطينية لمطاردة وقتل رموز المعارضة الليبية في الخارج الذين كان يسميهم الإعلام الجماهيري «الكلاب الضالة».

ان هذه المرحلة هي مرحلة تصفية الحسابات ونبش الدفاتر العتيقة. لذلك فإن ليبيا، التي باتت اعترافات عبد الرحمن العمودي امام المحكمة الفيدرالية في مدينة الكساندريا بولاية فرجينيا الاميركية تشكل بالنسبة إليها كابوسا مرعبا في النهار وفي الليل، ليست بحاجة الى فدائيين من امثال هؤلاء الفدائيين، ولا الى بيانات صاخبة وملتهبة كهذا البيان، انها اي ليبيا، بحاجة الى التهدئة، والى تثبيت مصالحتها مع الغرب والولايات المتحدة والابتعاد عن كل ما قد يؤثر على هذه المصالحة.

تعرف ليبيا ان حركة «أمل» التي هددها وتوعدها بيان «فدائيو القذافي»، الذين قد يكونون مجرد احد تدرنات الساحة اللبنانية المليئة بالتدرنات الاقليمية والدولية، لا تستطيع الا ان تثير مسألة اختفاء الامام موسى الصدر ولو من قبيل التنافس مع بعض التنظيمات الشيعية الاخرى، او من قبيل ارضاء بعض آيات الله في طهران، او من قبيل اقلاق راحة العقيد القذافي لحساب دول عربية ترى انه، حسب اعتقادها، خرج من جلده الثوري ووجه الى العروبة طعنة نجلاء في الخصر.

لقد ادركت ليبيا ماذا ينتظرها بعد احتلال العراق واسقاط نظام صدام حسين، ولقد استطاعت، بالاستناد الى قدرة «الاخ قائد الثورة» الفائقة على المناورة ولعب اوراقه بطريقة جيدة وبارعة، على حل قضايا اشد تعقيدا من قضية اختفاء الامام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين على اراضيها، من بينها قضية لوكوربي واسقاط الطائرة الفرنسية، ولذلك وبما انها، اي الجماهيرية، اصبحت على شاطئ الامان، فإنها بالتأكيد لم تعد بحاجة الى «فدائيين»، ولا الى ارهابي دولي مثل كارلوس، ولا الى «ابو مصعب الزرقاوي» و«القاعدة».

ربما أصدر هذا البيان، الذي يذكرنا ببيانات عقد السبعينات من القرن الماضي، تنظيم متبرع، وبدون علم ليبيا، من بقايا تلك التنظيمات التي كانت مجرد ظاهرة صوتية مدفوعة الثمن، والتي كان نضالها لا يتعدى مجرد تسويق «الكتاب الاخضر» والحجيج الى طرابلس الغرب يوم كانت تعتبر «مثابة الثورة العالمية».

لكن وحتى وان كان هذا البيان مجرد فقاعة صابون، فإنه على الجماهيرية الليبية، التي تقف الآن على مفترق طرق، والتي تنتظر أكثر من صداع مؤلم رغم شعورها بأنها وصلت الى شاطئ الامان، ان تبادر الى حل ومعالجة قضية اختفاء الامام موسى الصدر على اراضيها، وبالطريقة التي عالجت فيها قضاياها الشائكة الاخرى وعلى رأسها قضية «لوكوربي».

ستبقى قضية الامام الصدر تلاحق ليبيا مهما طال الزمن، فالمثل يقول «لا يموت دين وراءه مطالب». وهناك جيل من ابناء شيعة لبنان يرددون في كل عام وعلى مدى العام: «لا ينام الثأر في صدري وان طال مداه». ولذلك فإن الافضل، بدل هذه التهديدات الفارغة التي اطلقها تنظيم وهمي اطلق على نفسه اسم «فدائيو القذافي» ان تقبل الجماهيرية العظمى بلجنة دولية تقوم بالبحث والتقصي وتضع حدا لكل هذا القيل والقال وكل هذه الاتهامات.

لقد سطع نجم الإمام موسى الصدر في لحظة تاريخية حرجة، ان بالنسبة للبنان أو بالنسبة لشيعة لبنان، ولقد اختفى ذلك الاختفاء المثير للشبهات في عام 1978، بينما كان في زيارة الى ليبيا ضيفا على العقيد معمر القذافي، عشية انتصار الثورة الايرانية التي اسقطت عرش الطاووس، واطاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وهزت العالم كما كانت هزته الايام العشرة التي انتصرت فيها ثورة اكتوبر (تشرين الاول) البلشفية التي اسقطت حكم عائلة رومانوف الروسية.

لا احد يعرف لماذا ذهب الامام موسى الصدر الى ليبيا، في تلك الزيارة التي انتهت بهذه الغيبة الطويلة التي قد تستمر الى يوم القيامة، إلا هو ورفيقاه اللذان اختفيا معه، الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين، ولعل ما يحدد غرض هذه الزيارة، التي لم تكن اول زيارة، انها جاءت في ذروة اشتعال لبنان بالحرائق وعشية انتصار الثورة الخمينية الايرانية.

لذلك، واستنادا الى هذا، فإن هناك من يقول، من قبيل التكهن بالطبع، ان اختفاء الامام الصدر، جاء في اطار اسناد الامام الخميني في اللحظة الحرجة، في حين ان هناك من يقول ان هذا الاختفاء جاء نتيجة الفهم الخاطئ من قبل الجهات المنفذة للتعليمات التي وصلتها من المراكز الاعلى ومن العقيد معمر القذافي شخصيا.

وبالطبع فإن هناك من يقول، بل ان الاستخبارات الشاهنشاهية (السافاك) كانت في انتظار الامام الصدر بمجرد وصوله الى مطار روما من الجماهيرية الليبية، وانها قامت باخفائه وتغييبه هذه الغيبة الطويلة لمعرفتها بالدور الذي كان يلعبه الى جانب الثورة الخمينية التي بقيت مشتعلة زهاء 16 عاما، وباتت تدق ابواب قصر الشاه محمد رضا بهلوي بعنف وقوة.

وهنا، وبغض النظر عن صحة كل هذه التكهنات، فإن هناك شبه اجماع بين الشيعة وبين كل الذين تابعوا هذه القضية، على مسؤولية ليبيا الادبية ازاء اختفاء موسى الصدر، سواء كان هذا الاختفاء على اراضيها، او بعد مغادرته لهذه الاراضي والتوجه الى ايطاليا كما يقال.

ولهذا فإن ليبيا التي تضيف اعترافات عبد الرحمن العمودي، المتعلقة بالتخطيط لاغتيال ولي عهد المملكة العربية السعودية الامير عبد الله بن عبد العزيز، الى صداعها المزمن صداعا جديدا، بحاجة الى معالجة قضية اختفاء الامام موسى الصدر بالهدوء والحكمة، وبالطريقة التي عالجت بها ازمة «لوكوربي»، وليس باختراع تنظيم ارهابي على غرار تنظيم «فدائيي صدام حسين»، واصدار بيانات لا تذكر العالم الا بـ «الجنجويد» و «ابو نضال» و«كارلوس»، وباقي تشوهات بدايات هذا القرن ومنتصف ونهايات القرن الماضي.