مسألة المصطلح

TT

يفنى الابرياء بالآلاف ويتجادل الاحياء حول مصطلح: هل هذه «كارثة» ام شفيرها؟ هل هي «مجزرة» ام «ابادة جماعية»؟

وفيما نتوخى الدقة في البحث عن تعبير لائق، يموت الالوف كل يوم، ويصر الناطقون الرسميون على ان ما يجري ليس «ابادة» وانما هو مؤامرة لتشويه سمعة الايدي الملوثة. غير ان الامم المتحدة، تطل في نهاية المطاف، ومعها التعبير الملائم. فهي المرجع الاخير في هذه الحالات منذ ان اقرت العام 1948 مشروع القرار القاضي بمنع هذا الشر المطلق، أي «الابادة الجماعية» وهو مصطلح ادخله على لغات العالم القانوني البولوني رافاييل ليمكن العام 1944.

لكن العثور على مصطلح او وصف للجريمة لم يحل دون وقوعها: من كامبوديا بول بون الى رواندا ومن الشيشان الى البوسنة ومن فلسطين الى دارفور: الإقدام عمدا على تشريد وقتل وتجويع شعب بأكمله لاسباب عرقية او دينية او عنصرية او مجتمعة.

وتظل فلسطين، برغم حجم القتلى في رواندا او كامبوديا او موتى المجاعات في كوريا الشمالية، المأساة الاكثر فظاعة منذ صدور القرار. هنا، تطبق هيروشيما ببطء وعلى مراحل ودون اللجوء الى الذرة نفسها. لكن كما ترك ستالين نحو 7 ملايين اوكراني في اوائل الثلاثينات يموتون من المجاعة، بهدف القضاء على مقاومتهم، تحاول اسرائيل محاصرة ستة ملايين فلسطيني بكافة سبل الاضطهاد والتعذيب والتشريد والتطهير العرقي البطيء.

و«الاسرة الدولية»، هذا الوهم الموسمي والعدل الانتقائي، تطبق القانون في مكان وتنساه في آخر. لقد استفاق مجلس الامن على دارفور بعد نوم عميق. والقرارات في شأن فلسطين يراكم عليها غبار الجريمة فيما يصف جورج بوش ارييل شارون بأنه «رجل سلام» وهو يقتل الناس في بيوتهم بالصواريخ.

سألت الدكتور بطرس غالي ايام كان في الامانة العامة، كيف يمكن ان تقع كارثة مثل ابادات رواندا في وجود شيء اسمه الامم المتحدة؟ وقال انه حاول ان يجمع قوة دولية لكن احدا لم يقبل بالذهاب الى هناك. وسألته عن البوسنة فقال انه اقترح قوات من الدول الاسلامية لكنه لم يلق تجاوبا. وفي نهاية ولايته كان قد وضع مشروعا لاقامة اكبر قوة تدخل دولية في التاريخ. لكن المشروع ذهب معه. ومن جديد ينتشر الموت الجماعي «الداخلي» او العرقي و«الاسرة الدولية» في شخير مريح. الابادة «الداخلية» مثل المليون نسمة الذين قضوا في بلاد كيم جونغ ايل، او مثل 20 الى 43 مليون صيني قضوا من الجوع بين 1958 و1962 من دون ان يطلب ماو المساعدة الدولية لان في ذلك اهانة للحزب و«القفزة الكبرى».

في بدايات القرن العشرين كانت نسبة الضحايا من المدنيين 10% وهي الآن 80 الى 90%. والاسوأ من المجاعة والموت والتشريد والعذاب وبكاء الاطفال، هو موقف بعض الدول من شعوبها، او موقف مرشحين مثل جورج بوش من حكام مثل ارييل شارون.