الشعر ديوان العرب والفخر ديوان الشعر

TT

لم اسمع عن أمة غيرنا تجعل من الفخر باباً خاصاً في الشعر. طالما استغربت من هذا الأمر، ما سر هذا الاعتزاز العربي بالفخر والتفاخر والتباهي؟، لقد فقدنا أعظم شعرائنا المتنبي بسببه، فعندما حاول الهروب من وجه قاتله، ذكره خادمه ببيته الشهير «السيف والليل والبيداء تعرفني.. الخ»، فقال له «لقد قتلتني والله»، فما كان له غير أن يقف ويقاتل فيقتل، شهيداً للفخر. إذا كان المتنبي قد جاد بحياته تفاخراً، فالعديد من النساء جدن بحصانتهن من أجل فستان أو زوج أحذية، بل وتسري الظاهرة حتى على الموتى.

اقرأوا بعض ما نكتبه على شواهد موتانا، أبو حيان التوحيدي أورد مثلاً عن قبرين يتشاتمان ويتفاخران.

هذا كله هيّن، الأهول منه أننا كشعوب رحنا شهداء لهذا الهوس بالتباهي، حوّله بعض حكامنا، وعلى رأسهم صدام حسين، إلى جزء من أسلوب الحكم. لا أشير هنا إلى قصوره وتماثيله وتصاويره التي ملأت المدن والقرى، إنما إلى مغامراته العنترية. تحول الفخر إلى مباهاة، وتحولت المباهاة إلى مظاهر استعراضية كاذبة. خير مثال على ما أقول المسدس الذي انتزعه الأميركان من صدام حسين عند إلقاء القبض عليه، وجدوه فارغاً، وفي قبوه، وجدوا بندقيتين رشاشتين لم يستعملهما، وأكثر احتمال أنهما ايضا كانتا فارغتين. منذ سنين وأنا أقول كلما رأيت الحرس المدججين بالسلاح والمحيطين به: «أراهنكم ان ما يحملونه من بنادق خالية من العتاد، كيف يأمنهم بعد أن عرفنا ما حصل لأنور السادات؟، كان كراكب النمر، يخيف به الناس وهو خائف منه.

ملابسنا، سياراتنا، بيوتنا، كرمنا وضيافتنا وولائمنا كلها تجري وتتسابق في التباهي، عبثاً أحاول إقناع أصحابي في الاختصار بالأكل على لون واحد، بالنسبة لهم الوليمة ليست احتفاء بي ولا مناسبة اجتماعية للحديث، انها فرصة لاستعراض ثروتهم والتفاخر بمكانتهم. يسري ذلك على جيوش معظم الدول العربية، انها جيوش للاستعراض وليس للقتال، يسري ذلك ايضا على السعي للحصول على الاسلحة النووية، يعرفون انهم لن يستطيعوا استعمالها، لكنها مهمة للهيبة، مثلما اتضح ان صدام حسين كان يحمل مسدساً فارغاً، اتضح ان نظامه كان يلوح بأسلحة دمار شامل لا وجود لها. الموضوع من أوله إلى آخره، كان همبجة، كما قال حسني مبارك، الانتصارات الوحيدة التي حققها النظام كانت أقواس النصر.