الأخطبوط

TT

قال لي أحد غلمان الكلام: أنت حسود يا مشعل، رددت عليه متسائلاً: كيف عرفت هذا يا (حبّة عيني)؟!، قال: سمعتك قبل الأمس تحسد فلانا وفلانا وفلانا، قلت له: هذا صحيح، لكن هل أنت سوف تورثهم؟!، قال: لا، فقلت له: إذن (إخرس)!.

صمتَ برهة غير قليلة، ثم عاود الكلام قائلاً: الحسود لا يسود، عندها خرجت عن طوري بطريقة أزعجتني أنا بالدرجة الأولى، وقلت له وأنا أترنح: ومَن قال لك يا حِمار إنني أريد أن أسود؟!، وعندما سمع كلمة «يا حمار» هذه، كاد أن (يدنّها) بكوه، لكنه تمالك نفسه، عندها اشفقت عليه فعلاً وقلت له: آسف، (سوري)، هوّن على روحك ـ فكلنا ذاك الرجل ـ وتوكل على الله والزم الباب ـ أي اخرج ـ وبعدها انسلّ كأي قط أليف، وبقيت وحدي اصفق وجهي بالجدران، واستعلم عن حالي: هل أنا فعلاً رجل حسود؟!.

واكتشفت فعلاً انني كذلك، بل وحسود عن جدارة وبدرجة امتياز، وانني طوال حياتي كنت أمسك (بتلاليب) وجلاليب كل الرجال الناجحين، أما النساء الناجحات فكنت اتحرج من الإمساك (بفساتينهن)، لهذا كنت أشير لهن بيدي فقط من بعيد، وأحياناً برموش عيوني.

وأخذت استعرض (سنفونية) الحسد المقيت الذي اشتهرت وافتخر به.. فكنت مثلاً احسد من يستطيع أن يقفز و(يتشقلب) في الهواء، ثم يعود واقفاً على قدميه كأي قرد وكأن شيئاً لم يكن، لأن ظهري منذ صغري وإلى الآن ممتلئ بالكدمات من كثرة ما جرّبت (وانرضّيت).

واحسد من يذهب للصيد بالبحر ويعود بسمكة (ناجل)، وأنا الذي ما ذهبت يوماً إلاّ وعدت (بالفلس) ـ أي الطفر ـ وفوقه (لعف) ـ أي علف السمك.. واحسد السائرين، المتمشين، الراكضين، المصفرين، المغازلين، الحاثين الخطى بجانب سور (الحوامل) في مدينة جدة، لأنني والحق يُقال لا أخشى شيئا في هذه الدنيا العجيبة (المشتهاة)، أكثر من منظر المرأة الحامل، لأنني لا ادري هل هي تحمل في رحمها (صدام) صغيرا، أم (وزغة)، أم مروّج مخدرات، أم مُصلحا اجتماعيا؟!.

احسد العصفور على صغر حجمه، كما احسد الفيل على كبر أذنيه، واحسد التمساح على حراشيفه، واحسد المجنون على راحة باله، واحسد الذي يسافر إلى آخر الدنيا وليس معه غير حقيبة واحدة.. وكنت في السابق قبل أن أقع (بالمصيدة) احسد المطرب (سالم بلفقيه)، عندما لا تمر عليه سوى 24 ساعة إلاّ ويتذكر معشوقته ويشتاق لها، ونسي أنني اليوم اشتاق إلى (معشوقتي الوهمية)، اشتاق لها كل أربع وعشرين ثانية ـ يعني (يا دوبك) المسكينة بنت الناس، تلتفت يميناً، إلاّ وتجدني (كالاخطبوط) آخذها شمالاً بكل عنف وحنّية.

انني أقولها بالفم الملآن حبّاً وعذاباً.. إنني أكبر حاسد في هذه الدنيا (المغناج)، والحمد لله أنه ليس هناك أحد يحسدني على هذه (المسخرة) التي أنا فيها.